الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        أقسام الآحاد

                        واعلم أن الآحاد تنقسم إلى أقسام :

                        فمنها خبر الواحد ، وهو هذا الذي تقدم ذكره .

                        والقسم الثاني : المستفيض ، وهو ما رواه ثلاثة فصاعدا ، وقيل : ما زاد على الثلاثة ، وقال أبو إسحاق الشيرازي : أقل ما تثبت به الاستفاضة اثنان ، قال : السبكي : والمختار عندنا أن المستفيض ما يعده الناس شائعا .

                        القسم الثالث : المشهور وهو ما اشتهر ، ولو في القرن الثاني ، أو الثالث ، إلى حد ينقله ثقات ، لا يتوهم تواطؤهم على الكذب ، ولا يعتبر الشهرة بعد القرنين .

                        [ ص: 176 ] هكذا قال الحنفية ، فاعتبروا التواتر في بعض طبقاته ، وهي الطبقة التي روته في القرن الثاني ، أو الثالث فقط ، فبينه وبين المستفيض عموم وخصوص من وجه ، لصدقهما على ما رواه الثلاثة فصاعدا ، ولم يتواتر في القرن الأول ، ثم تواتر في أحد القرنين المذكورين ، وانفراد المستفيض إذا لم ينته في أحدهما إلى التواتر ، وانفراد المشهور فيما رواه اثنان في القرن الأول ، ثم تواتر في الثاني والثالث ، وجعل الجصاص المشهور قسما من المتواتر ، ووافقه جماعة من أصحاب الحنفية ، وأما جمهورهم فجعلوه قسيما للمتواتر ، لا قسما منه كما تقدم .

                        واعلم أن الخلاف الذي ذكرناه في أول هذا البحث من إفادة خبر الآحاد الظن أو العلم - مقيد بما إذا كان خبر واحد لم ينضم إليه ما يقويه ، وأما إذا انضم إليه ما يقويه ، أو كان مشهورا ، أو مستفيضا ، فلا يجري فيه الخلاف المذكور ، ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه ، فإنه يفيد العلم ; لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه ، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول ، فكانوا بين عامل به ومتأول له .

                        ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم فإن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول ، ومن لم يعمل بالبعض من ذلك ، فقد أوله ، والتأويل فرع القبول ، والبحث مقرر بأدلته في غير هذا الموضع .

                        قيل : ومن خبر الواحد المعلوم صدقه أن يخبر به في حضور جماعة هي نصاب التواتر ، ولم يقدحوا في روايته ، مع كونهم ممن يعرف علم الرواية ، ولا مانع يمنعهم من القدح في ذلك ، وفي هذا نظر .

                        [ ص: 177 ] واختلفوا في خبر الواحد المحفوف بالقرائن ، فقيل يفيد العلم ، وقيل : لا يفيده ، وهذا خلاف لفظي ; لأن القرائن إن كانت قوية بحيث يحصل لكل عاقل عندها العلم ، كان من المعلوم صدقه ( وإلا فلا ، فلا وجه لما قاله الأكثرون من أنه لا يحصل العلم به لا بالقرائن ولا بغيرها ، ومن المعلوم صدقه ) أيضا إذا أخبر مخبر بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم بخبر يتعلق بالأمور الدينية ، وسمعه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينكر عليه إلا إذا كان الخبر يتعلق بغير الأمور الدينية .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية