الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 148 ] 98 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في تعبير أبي بكر رضي الله عنه بأمره الرؤيا التي عبرها ، ومن قوله له في عبارته إياها : أصبت بعضا وأخطأت بعضا

665 - حدثنا بحر بن نصر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله عليه السلام فقال : يا رسول الله إني أرى الليلة في منامي ظلة تنطف السمن والعسل ، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثر والمستقل ، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ، ثم إنه وصل له فعلا ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، بأبي أنت لتدعني فلأعبرنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعبر ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أما الظلة فظلة الإسلام ، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فحلاوته ولينه ، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه ، فأخذت به فيعليك الله عز وجل ، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به ، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أصبت أو أخطأت ؟ فقال [ ص: 149 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضا وأخطأت بعضا ، قال : فوالله يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت ، قال : لا تقسم .

666 - حدثنا إسحاق بن الحسن الطحان الموقفي مولى بني هاشم ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن يونس بن يزيد ... ثم ذكر بإسناده مثله .

667 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا خالد بن خلي الكلاعي ، حدثنا محمد بن حرب الأبرش ، حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس وأبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله [ ص: 150 ] صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت الليلة ظلة تنطف السمن والعسل ... ثم ذكر الحديث .

668 - حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ... مثله غير أنه قال : أما الذي ينطف السمن والعسل فالقرآن وحلاوته ولينه .

669 - حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري ، عن عمه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ثم ذكر مثله .

670 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا عبد الأعلى بن [ ص: 151 ] حماد النرسي ، حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس قال : قال أبو بكر في شيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أقسمت يا رسول الله أصبت أو أخطأت ؟ قال : أصبت ، ولم يذكر سوى ذلك ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقسم .

671 - حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس قال : كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى النبي عليه السلام ... ثم ذكر مثل حديث بحر سواء ، إلا أنه قال : وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن حلاوته ولينه .

فتأملنا ما في هذه العبارة المذكورة في هذا الحديث من الخطأ الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أنه كان منه فيها .

فوجدنا فيها أنه جعل السمن والعسل المذكورين فيها شيئا واحدا وهو القرآن ثم وصفه بالحلاوة واللين ، ووجدنا أهل العلم بالعبارة يذهبون إلى أنهما شيئان كل واحد منهما غير صاحبه من أصلين [ ص: 152 ] مختلفين ، وكان أبو بكر ردهما إلى أصل واحد وهو القرآن ، وإن كان قد جعل من صفتهما اللين والحلاوة ، فإن ذلك لا يمنع أن يكونا صفة لشيء واحد ، وكان من الحجة لهم على ما ذهبوا إليه من ذلك .

672 - ما حدثنا الربيع الأزدي الجيزي ، حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن واهب بن عبد الله المعافري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه رأى في المنام كأن في إحدى أصبعيه عسلا وفي الأخرى سمنا ، وكأنه يلعقهما ، فأصبح ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : تقرأ الكتابين التوراة والفرقان ، قال : فكان يقرؤهما .

[ ص: 153 ] فكان في هذا الحديث من عبارة رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا عبد الله بن عمرو المذكورة فيه في السمن والعسل أنهما لشيئين مختلفين من أصلين مختلفين ، وكانت عبارة أبي بكر في حديث الظلة أنهما شيء واحد من أصل واحد ، فكان الخطأ الذي في ذكر العبارة عندهم هو هذا ، وكان الصواب فيه ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبارته رؤيا عبد الله بن عمرو المذكورة في هذا الحديث ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية