الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] كتاب النكاح

[ ص: 6 ] [ ص: 7 ] 1 - باب ما جاء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه

13401 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه، أن أبا العباس محمد بن يعقوب حدثهم قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه، فقال: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، وذكر معها غيرها [ ص: 8 ] .

13402 - قال: فافترض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أشياء خففها عن خلقه ليزيده به إن شاء الله قربة إليه وكرامة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته، مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضوعة مواضعها.

13403 - قال أحمد : إلى ها هنا قراءة، وما بعد ذلك بعضه إجازة، وبعضه قراءة.

13404 - قال الشافعي : فمن ذلك أن من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقه، وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته.

13405 - وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه، فقال: ( إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ) ، ( وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) .

13406 - " فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه، فلم يكن الخيار إذ اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه.

13407 - وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، فأحدث لهن طلاقا، لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله تعالى: ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن ) أحدث، لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا متاعا وسراحا، فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا [ ص: 9 ] .

13408 - فأما قول عائشة : فقد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، أفكان ذلك طلاقا؟، فتعني والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا.

13409 - وإذ فرض على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن.

13410 - فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق له عليها.

13411 - وكذلك كل من خير نساءه فليس الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها.

13412 - قال الشافعي : حدثني الثقة، عن ابن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت: "خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، أفكان ذلك طلاقا؟ أخبرنا أبو نصر محمد بن علي الفقيه الشيرازي قال: حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد بهذا الحديث.

13413 - قال الشافعي : فأنزل الله تبارك وتعالى عليه: ( لا يحل لك النساء من بعد ) ، فقال بعض أهل العلم: نزلت عليه ( لا يحل لك النساء من بعد ) ، بعد تخييره أزواجه.

[ ص: 10 ] 13414 - قال: وأخبرنا سفيان عن عمرو ، عن عطاء ، عن عائشة أنها قالت: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء" ، أخبرناه أبو نصر بن قتادة قال: أخبرنا أبو منصور النضروي قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا سفيان . . . فذكره.

13415 - قال الشافعي : كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قوله: ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ) .

13416 - وأحسب قول عائشة أحل له النساء لقول الله: ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ) إلى قوله: ( خالصة لك من دون المؤمنين ) ، فذكر الله ما أحل له، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وبنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي.

13417 - فدل ذلك على معنيين: أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له، وذلك أنه لم يكن عنده من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة وإن كان عنده عدة نسوة، وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره [ ص: 11 ] .

13418 - ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك، فقال: ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) .

13419 - فمن ائتهب منهن فهي زوجة لا تحل لأحد بعده، ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهي تحل له ولغيره.

13420 - قال الشافعي : أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد : " أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت قياما طويلا، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فذكر أنه زوجه إياها" .

13421 - قال الشافعي : وكان مما خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم قوله:

13422 - ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) .

13423 - وقال: ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه [ ص: 12 ] من بعده أبدا ) ، فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، وليس هكذا نساء أحد غيره.

13424 - وقال الله: ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ) ، فأبانهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية