الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            [ ص: 3 ] باب زكاة الإبل السائمة والغنم والورق.

                                                                            1570 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، حدثني أبي، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنسا حدثه، أن [ ص: 4 ] أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط.

                                                                            في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة، فإذا بلغت - يعني ستة وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. [ ص: 5 ] .

                                                                            وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة، ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاث مائة، ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين بشاة واحدة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها.

                                                                            وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

                                                                            فمن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست معه الحقة، وعنده الجذعة، فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا ابنة لبون، فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وعنده حقة، فإنها تقبل [ ص: 6 ] منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهما، أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل وليس معه شيء.

                                                                            ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس إلا ما شاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية".


                                                                            هذا حديث صحيح. [ ص: 7 ] .

                                                                            وروي عن عبد الله بن عمر، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر حتى قبض، وعمر حتى قبض، فذكر مثل معنى ما ذكره أنس.

                                                                            قوله: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: بين مقدارها، والفرض: هو التقدير، وسميت الفرائض بها، لأنها مقدرات، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( أو تفرضوا لهن فريضة ) ، يريد تسمية المهر، والفرض يكون بمعنى الإيجاب، وهو فرض الله أصل [ ص: 8 ] الزكاة.

                                                                            وكان ابن الأعرابي يقول: معنى الفرض: السنة.

                                                                            وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الفرض: الواجب، والفرض: القراءة، يقال: فرضت جزئي، أي قرأته، والفرض: السنة، وما يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كذا، أي: سنه.

                                                                            وقوله: "ومن سئل فوقها فلا يعط"، فقد قيل: أراد أنه لا يعطي الزيادة، وقيل: لا يعطي شيئا، لأن الساعي إذا طلب فوق الواجب كان خائنا، فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته.

                                                                            وفيه إباحة الدفع عن ماله إذا طولب بغير حقه.

                                                                            وفي الحديث بيان أنه لا شيء في الأوقاص، وهي ما بين الفريضتين زائدا على واجب النصاب.

                                                                            واختلفوا في أن واجب النصاب يتعلق به [ ص: 9 ] وبالوقص، أم الوقص عفو؟ فذهب الشافعي في أحد قوليه إلى أنه يتعلق به وبالوقص، لأن في الحديث، "فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض"، دل أن ابنة المخاض في كلها.

                                                                            والقول الثاني: وهو قول أبي حنيفة: الوقص عفو، ففي خمس وعشرين من جملة خمس وثلاثين بنت مخاض، والباقي عفو، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة".

                                                                            وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا هلك الوقص بعد الحول قبل إمكان الأداء، هل ينتقص شيء من الواجب أم لا؟ مثل أن ملك ثلاثين من الإبل، فتلف منها خمس بعد الحول قبل إمكان الأداء، إن قلنا: الوقص عفو، فعليه بنت مخاض، وإن قلنا: يتعلق الواجب بالكل، فيسقط سدسها، ويجب عليه خمسة أسداس بنت مخاض.

                                                                            وفي الحديث دليل على أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين لا تستأنف الفريضة، لأنه قال: "إذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة"، وهو قول أكثر أهل العلم، وعليه عمل أهل الحجاز.

                                                                            وقال إبراهيم النخعي: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة تستأنف الفريضة بإيجاب الشياه، فيجب في كل خمس شاة مع الحقتين إلى مائة وخمس وأربعين، ففيها حقتان، وبنت مخاض، فإذا بلغت مائة وخمسين، ففيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة، فيجب في كل خمس شاة مع الحقاق الثلاث إلى مائة وخمسين وسبعين، ففيها ابنة مخاض، وثلاث حقاق، وفي مائة وست وثمانين بنت لبون مع ثلاث حقاق، وفي [ ص: 10 ] مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى المائتين، ثم تستأنف الفريضة.

                                                                            وهو قول أبي حنيفة، يحتجون بما روي عن عاصم بن ضمرة، عن علي حديث الصدقة، وفيه: "فإذا زادت الإبل على عشرين ومائة ترد الفرائض إلى أولها".

                                                                            وهذه الرواية ضعيفة لا تقاوم الحديث الصحيح الذي سبق ذكره من رواية أنس، وابن عمر، عن أبي بكر، وعمر.

                                                                            وروى شعبة، وسفيان حديث عاصم بن ضمرة، عن علي، ووقفاه على علي، ولم يرفعاه.

                                                                            وفي حديث عاصم ما هو متروك باتفاق أهل العلم، وهو أنه قال: في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض، ولم يقل به أحد من أهل العلم.

                                                                            وقال محمد بن جرير الطبري: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين، فهو مخير، إن شاء استأنف الفريضة، وإن شاء أعطى عن كل خمسين حقة، وعن كل أربعين بنت لبون.

                                                                            ثم من سلك المسلك الأعم قال: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

                                                                            واختلفوا فيما إذا [ ص: 11 ] زادت على مائة وعشرين واحدة، فذهب قوم إلى أنه يجب فيها ثلاث بنات لبون، ثم إذا بلغت مائة وثلاثين، ففيها حقة وبنتا لبون، وبه قال الشافعي، وإسحاق، لأنه قال: فإذا زادت على عشرين ومائة، وقد حصلت الزيادة بالواحدة، فتتغير بها الفريضة قياسا على سائر الفرائض، فإن زيادة الواحدة بعد منتهى الوقص فيها توجب تغير الفريضة، كالواحدة بعد الخامسة والثلاثين، وبعد الخامسة والأربعين.

                                                                            وروى ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة التي كانت عند آل عمر بن الخطاب، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز، وأمر عماله بالعمل بها، وفي تلك النسخة: فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة، ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة، ففيها حقة وبنتا لبون.

                                                                            وذهب بعضهم إلى أنه لا تتغير الفريضة بالزيادة على مائة وعشرين ما لم تبلغ مائة وثلاثين، فحينئذ تجب فيها حقة وبنتا لبون، وهو قول مالك، وأحمد.

                                                                            وفي الحديث أنه إذا وجبت عليه سن، وليست عنده، أعطى سنا دونها مع الجبران، وهو شاتان أو عشرون درهما، وكل واحد من الشاتين أو العشرين الدرهم أصل في نفسه، ليس أحدهما ببدل عن الآخر، [ ص: 12 ] لأنه خيره بينهما بحرف أو، وبه قال النخعي، والشافعي، وإسحاق.

                                                                            وقال الثوري: أعطى عشرة دراهم أو شاتين، وهو قول أبي عبيد.

                                                                            وقال مالك: على رب المال أن يبتاع السن التي وجبت.

                                                                            وقال أصحاب الرأي: يأخذ الساعي قيمتها.

                                                                            وفي الحديث دليل على أن أخذ القيم في الزكوات لا يجوز، وهو قول أكثر أهل العلم، وجوزه أصحاب الرأي، ولو جازت القيمة لم يكن لنقله الفريضة عند عدمها إلى سن فوقها أو دونها مع جبر النقصان معنى.

                                                                            واحتج من أجاز بما روي عن معاذ، أنه قال لأهل اليمن: "إيتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة"، ويروى: "خميس أو لبيس". [ ص: 13 ] .

                                                                            قال أبو عبيد: الخميس: الثوب الذي طوله خمس أذرع، ويقال له: مخموس أيضا، وقيل: إنما قيل للثوب خميس، لأن أول من عمله ملك باليمن، يقال له: الخمس، أمر، فعمل هذه الثياب، فنسب إليه.

                                                                            قال رحمه الله: ولو لم يجد السن الواجبة، ولا التي تليها ينزل إلى سن دون ما يلي الواجب، ويعطي جبرانين أربع شياه، أو أربعين درهما، أو يرتقي إلى سن فوق ما يلي الواجب، ويسترد جبرانين.

                                                                            وبه قال الشافعي، وإسحاق.

                                                                            وذهب بعض أهل الحديث إلى أنه لا يجاوز ما في الحديث من السن الواحدة.

                                                                            وقوله: "وفي صدقة الغنم في سائمتها"، دليل على أن الزكاة إنما تجب في الغنم إذا كانت سائمة، أما المعلوفة، فلا زكاة فيها، وكذلك لا تجب الزكاة في عوامل البقر والإبل عند عامة أهل العلم، وأوجب مالك في عوامل البقر ونواضح الإبل.

                                                                            وقوله: "فإذا زادت على ثلاث مائة، ففي كل مائة شاة"، فإنما معناه أن تزيد مائة أخرى، فتصير أربع مائة، فيجب فيها أربع شياه، وهو قول عامة أهل العلم.

                                                                            وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا زادت على ثلاث مائة واحدة، ففيها أربع شياه.

                                                                            وقوله: "ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار"، فالعوار: النقص والعيب، ويجوز بفتح العين وضمها، والفتح أفصح، وذلك إذا كان كل ماله أو بعض ماله سليما، فإن كان كل ماله معيبا، فإنه [ ص: 14 ] يأخذ واحدا من أوسطه.

                                                                            وقال مالك: يكلف أن يأتي بصحيحة، ولا تؤخذ مريضة بحال.

                                                                            وقوله: "ولا تيس الغنم"، أراد به فحل الغنم، معناه: إذا كانت ماشيته كلها أو بعضها إناثا لا يؤخذ منه الذكر، إنما يؤخذ الأنثى، إلا في موضعين ورد بهما السنة، وهو أخذ التبيع من ثلاثين من البقر، وأخذ ابن اللبون من خمس وعشرين من الإبل، بدل ابنة المخاض عند عدمها.

                                                                            فأما إذا كانت ماشيته كلها ذكورا، فيؤخذ الذكر.

                                                                            وقوله: "إلا ما شاء المصدق"، فيه دليل على أن له الاجتهاد، ليأخذ ما هو الأنفع للمساكين، لأنه نائب عنهم بدليل أن أجرة عمله من مالهم.

                                                                            وقوله: "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة"، فيه بيان أن الخلطة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في حق الزكاة، وهي تارة تؤثر في تقليل الزكاة، وتارة في تكثيرها.

                                                                            بيان التقليل: إذا كان بين الرجلين ثمانون شاة مختلطة، فتم الحول عليها، لا تجب عليهما إلا شاة واحدة، ولو تميز نصيب كل واحد منهما كان عليهما شاتان، وكذلك إذا كان بين ثلاثة، مائة وعشرون مختلطة لا تجب عليهم إلا شاة واحدة، ولو تميزت الأنصباء، كان عليهم ثلاث شياه.

                                                                            وبيان التكثير: أن يكون بين جماعة أربعون من الغنم مختلطة عليهم فيها شاة، ولو تميز نصيب كل واحد منهم لم يكن عليه شيء. [ ص: 15 ] .

                                                                            وقوله: "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع"، نهي من جهة صاحب الشرع للساعي ورب المال جميعا، نهى رب المال عن الجمع والتفريق قصدا إلى تقليل الصدقة، ونهى الساعي عنهما قصدا إلى تكثير الصدقة، وبيانه: إذا كانت بين رجلين أربعون شاة مختلطة، فلما أظلهما الساعي، فرقاها، لئلا تجب عليهما الزكاة، أو كانت متفرقة، فأراد الساعي جمعها لتجب الزكاة، أو كانت بينهما ثمانون مختلطة، فأراد الساعي تفريقها ليأخذ شاتين، أو كانت متفرقة، فأراد أرباب المال جمعها، لئلا تجب عليهما إلا شاة واحدة، فنهوا عن ذلك، وأمروا بتقريرها على حالتها.

                                                                            وقد جاء في الحديث "لا خلاط"، والمراد منه هذا وهو أن يجمع بين المتفرق، ليتغير حكم الزكاة، ولو أنهم فرقوا أو جمعوا قبل تمام الحول كان الحكم للتفريق، ولو فعلوا بعد الحول لا يتغير به حكم الزكاة في الحول الماضي، وهذا الذي ذكرناه من ثبوت حكم الخلطة قول أكثر العلماء.

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أن الخلطة لا تغير حكم الزكاة، بل عليهم زكاة الانفراد.

                                                                            وقال مالك، وسفيان: لا حكم للخلطة حتى يكون [ ص: 16 ] نصيب كل واحد من الخلطاء نصابا، مثل أن يكون لكل واحد أربعون، فإن كان بين رجلين أربعون مختلطة، فلا زكاة عليهما فيها.

                                                                            ولا فرق في ثبوت حكم الخلطة عند مالك، والشافعي بين أن لا يتميز أعيان الأموال مثل أن ورثا أو اشتريا سائمة معا، فما من واحدة منها إلا وهي مشتركة بينهما، وبين أن يتميز الأعيان، بأن كان لكل واحد منهما سائمة، فخلطاها وكل واحد يعرف عين مال نفسه، وتسمى هذه الخلطة خلطة المجاورة، والأولى خلطة المشاركة.

                                                                            وروي عن عطاء، وطاوس، إذا عرف الخليطان كل واحد أموالهما، فليسا بخليطين.

                                                                            ثم الشافعي شرط في ثبوت حكم الخلطة في المجاورة أن يجتمعا في المراح، والمسرح، وموضع السقي، والحلاب، واختلاط الفحولة، فإن تفرقا في شيء منها، فليسا بخليطين.

                                                                            وقال مالك، والأوزاعي: أن يكون الراعي، والفحل، والمراح واحدا، فإن فرقهما المبيت، هذه في قرية، وهذه في قرية، فلا تبطل الخلطة.

                                                                            والخليطان في الدراهم والدنانير، والزروع والثمار يزكيان زكاة واحدة أيضا عند الشافعي، إذا بلغ مجموع أنصابهم نصابا.

                                                                            وقوله: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية"، فهذا في خلطة المشاركة لا يتصور، لأن المأخوذ يكون من ماليهما إلا أن لا يكون الواجب من جنس ماله، مثل أن كان بينهما خمس من [ ص: 17 ] الإبل، فجاء الساعي وهي في يد أحدهما، فأخذ منه شاة، رجع هو على شريكه بقيمة حصته.

                                                                            ويتصور في خلطة المجاورة مثل أن يكون بينهما أربعون شاة، لكل واحد عشرون يعرف كل واحد عين ماله، فأخذ الساعي شاة من نصيب أحدهما، رجع المأخوذ منه على شريكه بقيمة نصف شاته، وإن ظلمه الساعي، فأخذ زيادة على فرضه، لا يرجع على شريكه بتلك الزيادة، لأنه لم يظلمه.

                                                                            وقوله: "في الرقة ربع العشر"، أراد بها الورق، فيجب فيها إذا بلغت مائتين ربع العشر، وهو خمسة دراهم، فإن كانت ناقصة عنها في الوزن بشيء قليل لا زكاة فيها، وإن كانت تجوز جواز مائتي درهم، وكذلك الذهب لا شيء فيها حتى يبلغ عشرين مثقالا، ثم فيها ربع العشر نصف دينار، ثم ما زاد فبحسابه.

                                                                            ولا تجب في المغشوش منهما حتى يكون فيها من النقرة الخالصة، أو الذهب الخالص هذا القدر.

                                                                            قوله: "فإن لم يكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها شيء"، هذا يوهم أنها إذا زادت على ذلك شيئا قبل أن يتم مائتين كانت فيها الصدقة، وليس الأمر كذلك، وإنما ذكر تسعين، لأنه آخر فصل من فصول المائة، والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالفصول كالعشرات والمئين والألوف، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن كمال المائتين، بدليل قوله: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة".

                                                                            وابنة المخاض من الإبل هي التي أتى عليها حول، وطعنت في السنة الثانية سميت ابنة مخاض، لأن أمها تمخض بولد آخر، والذكر: ابن مخاض، والمخاض: الحوامل. [ ص: 18 ] .

                                                                            وابنة اللبون هي التي أتى عليها حولان، وطعنت في السنة الثالثة، لأن أمها تصير لبونا بوضع الحمل، والذكر ابن لبون.

                                                                            والحقة هي التي أتى عليها ثلاث سنين، وطعنت في الرابعة، سميت بها، لأنها تستحق الحمل والضراب، والذكر: حق.

                                                                            والجذعة: التي تمت لها أربع سنين، وطعنت في الخامسة، لأنها تجذع السن فيها.

                                                                            وقوله: "طروقة الجمل"، هي التي قد طرقها الفحل، أي: نزا عليها، فإذا طعن في السادسة، وألقى ثنيته، فهو ثني، والأنثى ثنية، فإذا طعن في السابعة، وألقى رباعيته، فهو رباع، والأنثى رباعية، فإذا طعن في الثامنة، وألقى السن التي بعد الرباعية، فهو سديس وسدس، فإذا طعن في التاسعة، فطر نابه وطلع، فهو بازل، فإذا طعن في العاشرة، فهو مخلف، ثم يقال بعده: بازل عام، وبازل عامين، ومخلف عام، ومخلف عامين.

                                                                            قال الأصمعي: الجذوعة وقت وليس بسن، فإذا لقحت، فهي خلفة إلى عشرة أشهر، فإذا بلغت عشرا فهي عشراء. [ ص: 19 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية