الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 88 ] المسألة السادسة

          في طرق الجرح والتعديل

          أما طرق التعديل فمتفاوتة في القوة والضعف ، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يصرح المزكي بالتعديل قولا ، أو لا يصرح به .

          فإن صرح به بأن يقول : " هو عدل " رضا ، فإما أن يذكر مع ذلك السبب بأن يقول ( لأني عرفت منه كذا وكذا ) أو لا يذكر السبب .

          فإن كان الأول ، فهو تعديل متفق عليه ، وإن كان الثاني فمختلف فيه ، والأظهر منه التعديل ، كما سبق في المسألة المتقدمة ، فهذا الطريق مرجوح بالنسبة إلى الأول للاختلاف فيه ولنقصان البيان فيه بخلاف الأول [1] .

          وأما إن لم يصرح بالتعديل قولا ، لكن حكم بشهادته ، أو عمل بروايته ، أو روى عنه خبرا .

          فإن حكم بشهادته فهو أيضا تعديل متفق عليه ، وإلا كان الحاكم فاسقا بشهادة من ليس بعدل عنده ، وهذه الطريق أعلى من التزكية بالقول من غير ذكر سبب لتفاوتهما في الاتفاق والاختلاف ، اللهم إلا أن يكون الحاكم ممن يرى الحكم بشهادة الفاسق .

          وأما بالنسبة إلى التزكية مع ذكر السبب ، فالأشبه التعادل بينهما لاستوائهما في الاتفاق عليهما .

          والأول وإن اختص بذكر السبب ، فهذا مختص بإلزام الغير بقبول الشاهد ، بخلاف الأول .

          وأما إن عمل بروايته على وجه علم أنه لا مستند له في العمل سواها ، ولا يكون ذلك من باب الاحتياط فهو أيضا تعديل متفق عليه ، وإلا كان عمله برواية من ليس بعدل فسقا .

          وهذا الطريق ، وإن احتمل أن يكون العمل فيه مستندا إلى ظهور الإسلام والسلامة من الفسق ظاهرا ، كما في التعديل بالقول من غير ذكر [ ص: 89 ] السبب ، فهو راجح على التعديل بالقول من غير ذكر السبب ، للاتفاق عليه والاختلاف في ذلك ، ومرجوح بالنسبة إلى التزكية بالقول مع ذكر السبب ، وبالنسبة إلى الحكم بالشهادة لأن باب الشهادة أعلى من باب الرواية .

          ولذلك اشترط فيه ما لم يشترط في باب الرواية كما سيأتي تعريفه ، فكان الاحتياط والاحتراز فيها أتم وأوفى .

          وأما إن روى عنه ، فهذا مما اختلف فيه هل هو تعديل أو لا .

          ومنهم من فصل وقال : إن عرف من قول المزكي أو عادته أنه لا يروي إلا عن العدل ، فهو تعديل ، وإلا فلا ، وهو المختار .

          وذلك لأن العادة جارية بالرواية عمن لو سئل عن عدالته لتوقف فيها ، ولا يلزم من روايته عنه مع عدم معرفته بعدالته ، أن يكون ملبسا مدلسا في الدين كما قيل ؛ لأنه إنما يكون كذلك أن لو أوجبت روايته عنه على الغير العمل بها ، وليس كذلك .

          بل غايته أنه قال : ( سمعته يقول كذا ) فعلى السامع بالكشف عن حال المروي عنه إن رام العمل بمقتضى روايته ، وإلا كان مقصرا ، وهذا الطريق يشبه أن يكون مرجوحا بالنسبة إلى باقي الطرق .

          أما بالنسبة إلى التصريح بالتعديل فظاهر ، ولا سيما إن اقترن بذكر السبب للاتفاق والاختلاف في هذا الطريق .

          ولهذا يكون مرجوحا بالنسبة إلى الحكم بالشهادة للاتفاق عليه ولاختصاص الشهادة بما ذكرناه قبل .

          وأما بالنسبة إلى العمل بالرواية ، فلاشتراكهما في أصل الرواية واختصاص أحدهما بالعمل بها .

          وأما طرق الجرح ، أن يصرح بكونه مجروحا ، ويذكر مع ذلك سبب الجرح ، وإن لم يذكر معه سبب الجرح ، فهو جرح كما سبق في المسألة المتقدمة ، لكنه دون الأول ، للاختلاف فيه ، وللاتفاق على الأول ، وليس من الجرح ترك العمل بروايته والحكم بشهادته ، لجواز أن يكون ذلك بسبب غير الجرح .

          وذلك إما لمعارض ، وإما لأنه غير ضابط أو لغلبة النسيان والغفلة عليه ونحوه ، ولا الشهادة بالزنا ، وكل ما يوجب الحد على المشهود عليه إذا لم يكمل نصاب الشهادة ; لأنه [ ص: 90 ] لم يأت بصريح القذف ، وإنما جاء ذلك مجيء الشهادة ، ولا بما يسوغ فيه الاجتهاد ، وقد قال به بعض الأئمة المجتهدين ، كاللعب بالشطرنج وشرب النبيذ ونحوه ، ولا بالتدليس ، وذلك كقول من لم يعاصر الزهري مثلا ، ولكنه روى عمن لقيه قولا يوهم أنه لقيه [2] وكقوله : حدثنا فلان وراء النهر ، موهما أنه يريد جيحان ، وإنما يشير به إلى نهر عيسى مثلا ، لأنه ليس بكذب ، وإنما هو من المعاريض المغنية عن الكذب .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية