الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية .

            التالي السابق


            ش - لا يمكن حد نوع من العلم إلا بذكر متعلقه ; لأن إضافة العلم إلى متعلقه إما داخلة فيه أو عارضة لازمة له على اختلاف الرأيين فلذلك قيد العلم بـ " القواعد " .

            والمراد بالعلم ههنا : الاعتقاد الجازم المطابق الثابت لموجب قطعي . والقواعد : هي الأمور الكلية المنطبقة على الجزئيات ليتعرف أحكامها منها . وهي عام ; لأنها جمع معرف باللام .

            [ ص: 15 ] واحترز بها ، عن العلم بالأمور الجزئية . وعن العلم ببعض مسائل الأصول ; لأنه وإن كان من الأصول ، لكنه ليس نفسه ; لأن بعض الشيء غيره .

            وقوله : " يتوصل بها إلى استنباط الأحكام " احترز به عن العلم بالقواعد التي تستنبط منها الصنائع ، والعلم بالماهيات والصفات .

            وفي ذكر التوصل إشارة إلى أنه طريق غير مقصود بالذات ، بل بالعرض .

            وقيل : خرج بـ " الأحكام " - أي جميعها - علم الخلاف ; لأنه علم بقواعد يستنبط منها بعض الأحكام ، لا كلها .

            وفيه نظر ; لأنه يلزم أن يكون علم الخلاف جزءا من الأصول ، وليس كذلك .

            وقوله : " الشرعية " احترز به عن الأحكام الاصطلاحية والعقلية .

            وقوله : " الفرعية " احترز به عن الأصولية .

            وقوله : " عن أدلتها التفصيلية " لا يحترز به عن شيء ; لأن المراد من الأحكام الفقهية ، وهي لا تكون إلا كذلك .

            هذا تحرير الحد . وأما الشبهات الواردة عليه : فمنها أنه لا يطرد ; لانطباقه على الخلاف . [ ص: 16 ] وقد أجيب عنه بأن الخلاف علم بالقواعد التي يستنبط بها بعض الأحكام . وهذا الجواب ضعيف ، لما ذكرنا .

            بل الحق أن يقال : خرج بقيد " الاستنباط " علم الخلاف ; لأنه علم بقواعد يتوصل بها إلى حفظ الأحكام المستنبطة أو ردها ، ولا يتوصل بها إلى الاستنباط .

            ومنها : أنه قد اعتبر في الحد إضافة العلم إلى المعلوم ، والإضافة إلى المعلوم خارجة عن حقيقته ; لأنه صفة حقيقية يلزمها الإضافة .

            وقد أجيب عنه بأن العلم المطلق اختلف في كونه صفة حقيقية أو إضافية .

            وعلى التقديرين لا ترد الشبهة . أما على الثاني فظاهر . وأما على الأول ; فلأنه لا يلزم أن يكون علم أصول الفقه صفة حقيقية ; إذ القوم سموا - في اصطلاحهم - العلم المضاف إلى الجملة المذكورة : أصول الفقه . فلا يكون المعلوم الذي هو متعلق العلم خارجا .

            وفيه نظر ; لأن المعلوم خارج عن العلم ، سواء كان العلم المضاف إلى الجملة المذكورة حقيقية أو إضافية .

            [ ص: 17 ] والجواب عنه : أنا لا نسلم أن الإضافة إلى المعلوم المتعلق خارجة عن العلم المضاف إلى الجملة المذكورة ; لأن المراد من علم الأصول هو العلم المضاف ، لا العلم المطلق .

            ولئن سلمنا خروجها ، لكن لا نسلم أن التعريف بالأمر الخارجي ليس بحد ; لأن المراد بالحد : المعرف الجامع المانع ، لا الحد الحقيقي المركب من الذاتيات .

            ومنها : أن القواعد تناولت خبر الواحد والقياس ، وكل واحد منهما قاعدة ظنية فكيف يصح أن يكون معلوما ؟ وأجيب عنه لاختلاف الجهتين صح ذلك ; إذ كل واحد يفيد الظن . وبهذا الاعتبار يسمى مظنونا . ومن جهة أنه دل القاطع على وجوب اتباع الظن ، يكون معلوما .

            وفيه نظر; لأن القاطع دل على العلم بوجوب العمل بمقتضاه ، ولا يدل على العلم بنفسه . فلا يكون معلوما من هذه الجهة .

            بل الجواب أن يقال : لا نسلم أن كل واحد من القياس ، وخبر الواحد قاعدة . بل كون كل واحد منهما مفيدا للظن قاعدة . فالظن متعلق بما أفاده ، والعلم متعلق بنفسه . ولا امتناع في تعلق العلم بشيء يكون ما أفاده مظنونا .




            الخدمات العلمية