الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 526 ] ص - قالوا : أبعد في المصلحة .

            قلنا : يلزمكم في ابتداء التكليف .

            وأيضا : فقد يكون علم الأصلح في الأثقل ، كما يسقمهم بعد الصحة ويضعفهم بعد القوة .

            قالوا : ( يريد الله أن يخفف عنكم ) ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .

            قلنا : إن سلم عموم فسياقها للمآل في تخفيف الحساب وتكثير الثواب ، أو تسمية للشيء بعاقبته ؛ مثل : ( لدوا للموت وابنوا للخراب ) .

            وإن سلم الفور فمخصوص بما ذكرناه ، كما خصت ثقال التكاليف والابتلاء باتفاق .

            قالوا : ( نأت بخير منها أو مثلها ) والأشق ليس بخير للمكلف .

            وأجيب بأنه خير باعتبار الثواب .

            [ ص: 527 ]

            التالي السابق


            [ ص: 527 ] ش - القائلون بعدم جواز النسخ بأثقل احتجوا بثلاثة وجوه :

            الأول - أن النسخ ببدل أثقل أبعد عن مصلحة المكلفين ; لأنهم إن امتثلوا التزموا زيادة المشقة ، وإن تركوا يلزمهم العقوبة .

            أجاب بأن هذا يلزمكم في ابتداء التكليف ; لأن الناس في سعة الإباحة ، فنقلهم إلى التكاليف الشاقة أبعد عن المصلحة .

            وأيضا : قد يكون الباري - تعالى - علم أن الأصلح هو الأثقل ، كما يسقمهم بعد الصحة ، ويضعفهم بعد القوة ; لأنه علم أن السقم والضعف أصلح .

            الثاني - أنه لو جاز النسخ ببدل أثقل لزم كذب قوله - تعالى : يريد الله أن يخفف عنكم وقوله : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر .

            والتالي باطل .

            بيان الملازمة أن الآيتين تدلان على إرادة التخفيف واليسر ، والنسخ ببدل أثقل يدل على إرادة التثقيل والعسر ، فيلزم كذب الآيتين .

            أجاب بأنا لا نسلم عموم الآية في إرادة التخفيف واليسر في كل شيء .

            [ ص: 528 ] ولئن سلم عموم الآية في التخفيف واليسر في كل شيء ، فسياق الآية يدل على التخفيف واليسر للمآل في تخفيف الحساب وتكثير الثواب .

            أو تسمية التثقيل والعسر بالتخفيف واليسر تسمية الشيء باسم عاقبته ( فإن عاقبته ) يرجع إلى التخفيف بسبب نيل الثواب ودفع العقاب مثل : لدوا للموت وابنوا للخراب .

            فإنه لما كان عاقبة الولادة : الموت ، وعاقبة البناء : الخراب ، جعلهما غاية الولادة والبناء ، تسمية للشيء بعاقبته .

            ولئن سلم إرادة التخفيف واليسر في كل شيء على الفور لكن مخصوص بما ذكرنا من الصور ، كما خصت ثقال التكاليف والابتلاء باتفاق .

            الثالث : أن قوله تعالى - : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها يدل على أن البدل يكون خيرا من المنسوخ أو مثله ، والأثقل الأشق لا يكون خيرا للمكلف ولا مثلا .

            أجاب بأنه خير للمكلف باعتبار عظم الثواب .




            الخدمات العلمية