الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : وقع ، فإن أهل قباء سمعوا مناديه - صلى الله عليه وسلم - ألا إن القبلة قد حولت فاستداروا ولم ينكر عليهم .

            أجيب : علموا بالقرائن لما ذكرناه .

            [ ص: 537 ] قالوا : كان يرسل الآحاد بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة .

            وأجيب : إلا أن يكون مما ذكرناه فيعلم بالقرائن لما ذكرناه .

            قالوا : ( قل لا أجد ) نسخ بنهيه عن كل ذي ناب من السباع ، فالخبر أجدر .

            أجيب إما بمنعه ، وإما بأن المعنى : لا أجد الآن .

            وتحريم حلال الأصل ليس بنسخ .

            التالي السابق


            ش - القائلون بجواز نسخ الخبر المتواتر بالآحاد احتجوا بوجوه :

            الأول - الوقوع ؛ فإن أهل قباء سمعوا منادي الرسول - عليه السلام - ينادي : ألا إن القبلة قد حولت عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فاستداروا في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة ، ولم [ ص: 538 ] ينكر الرسول - عليه السلام - عليهم ، مع أن وجوب التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالخبر المتواتر ، وخبر المنادي الآحاد ، فلو لم يجز نسخ المتواتر بالآحاد لما جاز لهم التحول بمجرد قول المنادي ، ولأنكر الرسول - عليه السلام - عليهم .

            أجاب بأنا لا نسلم أنهم تحولوا بمجرد إخبار المنادي ، بل تحولوا لأنهم علموا بالقرائن المنضمة إلى خبر المنادي كإعلان الناس بذلك ، أو قربهم من مسجد الرسول عليه السلام .

            وإنما حمل على هذا لما ذكرنا من الدليل الدال على عدم جواز نسخ المتواتر بالآحاد .

            الثاني - أنه عليه السلام - كان يرسل آحاد الصحابة إلى الأقطار بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة ، من غير فرق بينهما .

            فلو لم يقبل الآحاد في نسخ المتواتر لما وجب القبول ، ولما جاز للرسول - عليه السلام - أن لا يفرق .

            أجاب بأن ما ذكرتم من الإرسال ووجوب القبول صحيح ، إلا أن يكون خبر الواحد مما ذكرنا ، وهو أن يكون ناسخا للمتواتر .

            [ ص: 539 ] فإنه حينئذ يحمل على كونه معلوما بالقرائن لما ذكرنا . الثالث - قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم نسخ بنهيه - عليه السلام - عن كل ذي ناب من السباع .

            والنهي عن كل ذي ناب من باب الآحاد .

            وإذا جاز نسخ القرآن بالآحاد فنسخ الخبر المتواتر به أجدر .

            أجاب : إما بمنعه بأن يقال : لا نسلم أن هذه الآية منسوخة ، فإنه لا يدل على إباحة الجميع ، حتى يكون تحريم كل ذي ناب ناسخا له ؛ لأنه يدل على عدم وجدان المحرم ، وعدم وجدان المحرم بالوحي ، لا يدل على إباحة الجميع .

            وإما بأن معنى الآية : لا أجد الآن محرما فيكون مؤقتا ، وإذا [ ص: 540 ] كان مؤقتا لا يكون منسوخا .

            ونهيه - عليه السلام - عن كل ذي ناب رافع للحلال الثابت بالأصل . ورفع الحلال الثابت بالأصل ليس بنسخ ; لأن النسخ لا يكون إلا للحكم الشرعي وحلال الأصل لا يكون حكما شرعيا .




            الخدمات العلمية