الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل السبكي أيضا عن رجل وقف وقفا على حمزة ثم أولاده ثم أولادهم ، وشرط أن من مات من أولاده انتقل نصيبه إلى الباقين من إخوته ، ومن مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو كان حيا ، فمات حمزة وخلف ولدين وهما : عماد الدين وخديجة . وولد ولد مات أبوه في حياة والده وهو نجم الدين بن مؤيد الدين ابن حمزة فأخذ الوالدان نصيبهما ، وولد الولد نصيب الذي لو كان حيا أبوه لأخذه ، ثم ماتت خديجة . فهل يختص أخوها بالباقي أو يشاركه مع ولد أخيه نجم الدين ؟ .

                [ ص: 416 ] فأجاب بأنه تعارض فيه اللفظان فيحتمل المشاركة ، ولكن الأرجح اختصاص الأخ ويرجحه أن التنصيص على الأخوة وعلى الباقين منهم كالخاص وقوله : ومن مات قبل الاستحقاق كالعام فيقدم الخاص على العام ( انتهى ) . هذا آخر ما أورده الأسيوطي رحمه الله في هذه المسألة وأنا أذكر حاصل السؤال وحاصل جواب السبكي ، وحاصل ما خالف فيه الأسيوطي ، ثم أذكر بعده ما عندي في ذلك ، وإنما أطلت فيها لكثرة وقوعها ، وقد أفتيت فيها مرارا .

                أما حاصل السؤال : الواقف وقف على ذريته مرتبا بين البطون بثم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشرط انتقال نصيب المتوفى عن ولد إليه وعن غير ولد إلى من هو في درجته ، وأن من مات قبل استحقاقه وله ولد ، قام مقامه لو بقي حيا ، فمات الواقف عن الولدين ، ثم مات أحدهما عن ثلاثة وولدي ابن لم يستحق ، ثم مات اثنان من الثلاثة عن ولدين ، ثم مات واحد عن غير نسل ، ثم مات أحد الولدين عن غير نسل . وحاصل جواب السبكي : أن ما خص المتوفى وهو النصف مقسوم بين أولاده الثلاثة ولا شيء [ ص: 417 ] لولدي ابنه المتوفى في حياته . ومن مات من الثلاثة عن غير نسل رد نصيبه إلى إخوته فيكون النصف بينهما . ومن مات عن ولد فنصيبه له ما دام أهل طبقة أبيه . ثم من مات بعدهم يقسم نصيبه بين جميع أولاد الأولاد بالسوية ، فيدخل ولد المتوفى في حياة أبيه ، فتنتقض القسمة بموت الطبقة الثانية ويزول الحجب عن ولدي المتوفى في حياة أبيه عملا بقوله ، ثم على أولاد أولاده ، وأنه إنما يعمل بقوله من مات عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ما دام البطن الأول ، فمن مات من أهل البطن الأول انتقل نصيبه إلى ولده ويقسم الربع على هذا ، فإذا لم يبق أحد من البطن الأول تنقض القسمة وتكون بينهم بالسوية ، فمن مات من أهل الثاني عن ولد انتقل نصيبه إليه إلى أن ينقرض أهل تلك الطبقة فتنقض القسمة ، ويقسم بينهم بالسوية . وهكذا يفعل في كل بطن . وحاصل مخالفة الأسيوطي له في شيء واحد ; وهو أن أولاد المتوفى في حياة أبيه لا يحرمون مع بقاء الطبقة الأولى وأنهم يستحقون معهم ، 29 -

                ووافقه على انتقاض القسمة . قلت أما مخالفته في أولاد المتوفى في حياة أبيه فواجبة ، لما ذكره الأسيوطي ، 30 - وأما قوله تنتقض القسمة بعد انقراض كل بطن ; [ ص: 418 ]

                فقد أفتى به بعض علماء العصر وعزوا ذلك إلى الخصاف ، 32 -

                ولم يتنبهوا لما صوره الخصاف وما صوره السبكي . فأنا أذكر حاصل ما ذكره الخصاف باختصار ، وأبين ما بينهما من الفرق . فذكر الخصاف صورا : الأولى : وقف على ذريته بلا ترتيب بين البطون استحق الجميع بالسوية ; الأعلى والأسفل ، فتنتقض القسمة في كل سنة بحسب قلتهم وكثرتهم . الثانية :وقف عليهم شارطا تقديم البطن الأعلى ثم ولم يزد ، فلا [ ص: 419 ] شيء لأهل البطن الثاني ما دام واحد من الأعلى . ومن مات عن ولد فلا شيء لولده ، ويستحق من مات أبوه قبل الاستحقاق مع أهل البطن الثاني لا مع الأول لكونه منهم . 33 -

                الثالثة : وقف على ولده وأولادهم ونسلهم ، لا يدخل ولد من كان أبوه مات قبل الوقف ، لكونه خصص أولاد الولد الموقوف عليه فخرج قبله . الرابعة : وقف على أولاده وأولاد أولاده وذريته ، على أن يبدأ بالبطن الأعلى ثم وثم . قلنا : لا شيء للبطن الثاني ما دام واحد من الأعلى ، فلو مات واحد عن البطن الثاني وترك ولدا مع وجود الأعلى ثم انقرض الأعلى فلا مشاركة له مع البطن الثاني لأنه من الثالث ، فإذا انقرض الثاني شارك الثالث . الخامسة : وقف على أولاده وأولاد أولاده وذريته ونسله ولم يرتب ، وشرط أن من مات عن ولد فنصيبه له ، وحكمه قسمة الغلة بين الولد وولد الولد بالسوية ، فما أصاب المتوفى كان لولده فيكون لهذا الولد سهمان ; سهمه المجعول له معهم بالسوية وما انتقل إليه من والده . السادسة : وقف على ولده لصلبه ذكرا وأنثى وعلى أولاد الذكور من ولده وأولاد أولادهم ونسلهم . وحكمه قسمة الغلة بين ولده [ ص: 420 ] ذكرا وأنثى وأولاد الذكور ذكرا وأنثى بالسوية ، فيدخل أولاد بنات البنين ، فلو قال بعده : يقدم الأعلى ثم وثم ; اختص ولده لصلبه ذكرا وأنثى ، فإذا انقرضوا صار لولد البنين دون أولاد البنات ثم لأولاد هؤلاء أبدا . السابعة : وقف على بناته وأولادهن وأولاد أولادهن . وحكمه أن الغلة لبناته ونسلهن . فلو قال : يقدم البطن الأعلى اتبع ، فإن شرط بعد انقراضهن ونسلهن لولده الذكور ونسلهم اتبع ، فإن مات بعض ولده الذكور عن أولاد وبقي البعض ولهم أولاد ، وحكمه عند عدم الترتيب أن الغلة لهم سواء ، فإن رتب فالغلة للباقين من ولده فإذا انقرضوا كانت لولد المتوفى .

                الثامنة : وقف على ولده وولد ولده ونسلهم مرتبا شارطا أن من مات عن ولد فنصيبه له وعن غير ولد فراجع إلى الوقف . وحكمه أن الغلة للأعلى ثم وثم . فإن قسمت سنين ثم مات بعضهم عن نسل . قال : تقسم على عدد أولاد الواقف الموجودين يوم الوقف ، وعلى أولاده الحادثين له بعده ; فما أصاب الأحياء أخذوه وما أصاب الميت كان لولده ، وإنما جعل لولد من مات حصة أبيه مع وجود البطن الأعلى مع كون الواقف شرط تقديم الأعلى لكونه قال بعده أن من مات عن ولد فنصيبه له ، وكذا لو مات الأعلى إلا واحدا فيجعل سهم الميت لابنه وإن كان من البطن الثالث مع وجود الأعلى ولو كان عدد البطن الأعلى عشرة فمات اثنان بلا ولد ونسل ، ثم مات آخران عن ولد لكل ، ثم مات آخران عن غير ولد .

                وحكمه أن تقسم الغلة على ستة ; على [ ص: 421 ] هؤلاء الأربعة وعلى الميتين اللذين تركا أولادا فما أصاب الأربعة فهو لهم وما أصاب الميتين كان لأولادهما ، ولو مات واحد من العشرة عن ولد ثم مات ثمانية عن غير نسل ، تقسم على سهمين ; سهم للحي وسهم للميت يكون لأولاده ، فلو قسمناها سنين بين الأعلى وهم عشرة ثم مات اثنان عن غير ولد ثم مات واحد عن أربعة أولاد وواحد عن أولاد ثم مات من الأربعة واحد وترك ولدا ومات آخر عن غير ولد ، تقسم الغلة على ثمانية . فما أصاب الأحياء أخذوه وما أصاب الموتى كان لأولادهم لكل سهم أبيه ، ثم ينظر إلى ما أصاب الأربعة يقسم أرباعا فيرد سهم من مات عن غير ولد إلى أصل الوقف فتعاد القسمة على ثمانية ; فما أصاب والدهم قسم بين الاثنين الباقيين وبين أخيهم الميت الذي مات عن ولد أثلاثا ، فما أصاب الميت كان لولده ، فلو لم يمت أحد من البطن الأعلى ومات واحد من الثاني عن ولد أو مات بعض الأعلى ثم من الثاني رجل أو رجلان عن ولد ، وحكمه أنه لا شيء لولد من مات قبل أبيه ولا لأولاد من مات من الثاني لعدم استحقاق الأب .

                ثم أعاد الإمام الخصاف رحمه الله الصورة الثامنة من غير زيادة ولا نقص وفرع أن البطن الأعلى لو كانوا عشرة وكان لهم ابنان ماتا قبل الوقف وترك كل ولدا ، لا حق لهما ما دام واحد من الأعلى لأنهما من البطن الثاني فلا حق لهما حتى ينقرض الأول ، فلو مات العشرة وترك كل ولدا أخذ كل نصيب أبيه ولا شيء لولد من مات قبل الواقف ، وإن استووا [ ص: 422 ] في الطبقة ، فإن بقي منهم واحد قسمت على عشرة فما أصاب الحي أخذه وما أصاب الموتى كان لأولادهم ، فإن مات العاشر عن ولد انتقلت القسمة لانقراض البطن الأعلى ورجعت إلى البطن الثاني ، فينظر إلى أولاد العشرة وأولاد الميت قبل الوقف فيقسم بالسوية بينهم ، ولا يرد نصيب من مات إلى ولده إلا قبل انقراض البطن الأعلى فيقسم على عدد البطن الأعلى فما أصاب الميت كان لولده ، فإذا انقرض البطن الأعلى نقضنا القسمة وجعلناها على عدد البطن الثاني .

                ولم نعمل باشتراط انتقال نصيب الميت إلى ولده هنا لكون الواقف قال على ولده وولد ولده ، فلزم دخول أولاد من مات قبل الوقف فلزم نقض القسمة ، فلو لم يكن له ولد إلا العشرة فماتوا واحدا بعد واحد وكلما مات واحد ترك أولادا حتى مات العشرة ; فمنهم من ترك خمسة أولاد ، ومنهم من ترك ثلاثة أولاد ، ومنهم من ترك ستة أولاد ، ومنهم من ترك واحدا . أليس قلت فمن مات كان نصيبه لولده . ؟ فلما مات العاشر كيف تقسم الغلة . ؟ قال : أنقض القسمة الأولى وأرد ذلك إلى عدد البطن الثاني فأنظر جماعتهم فأقسمها على عددهم . ويبطل قوله : من مات عن ولد انتقل نصيبه لولده ، لأن الأمر يؤول إلى قوله وولد ولدي . وكذلك لو مات جميع ولد ولد الصلب ولم يبق منهم أحد ; فنظرنا إلى البطن الثالث فوجدناهم ثمانية أنفس ، وكذلك كل بطن يصير لهم فإنما تقسم على عددهم ويبطل ما كان قبل ذلك ( انتهى ) .

                فأخذ بعض العصريين من [ ص: 423 ] الصورة الثامنة وبيان حكمها أن الخصاف قائل بنقض القسمة في مثل مسألة السبكي ولم يتأمل الفرق بين الصورتين ، فإن في مسألة السبكي ; وقف على أولاده ثم أولادهم بكلمة ثم بين الطبقتين . وفي مسألة الخصاف وقف على ولده وولد ولده بالواو لا بثم ، فصدر مسألة الخصاف اقتضى اشتراك البطن الأعلى مع السفلى ، وصدر مسألة السبكي اقتضى عدم الاشتراك . 34 -

                فالقول بنقض القسمة وعدمه مبني على هذا . والدليل عليه أن الخصاف بعد ما قرر نقض القسمة ، كما ذكرناه ، قال : فإن [ ص: 424 ] قلت : فلم كان هذا القول عندك معمول به وتركت قوله : كلما [ ص: 425 ] حدث على أحد منهم الموت كان نصيبه مردودا إلى ولده وولد ولده ونسله أبدا ما تناسلوا . ؟ قلت من قبل : إنا وجدنا بعضهم يدخل في الغلة ويجب حقه فيها بنفسه لا بأبيه فعملنا بذلك وقسمنا الغلة على عددهم ( انتهى ) .

                فقد أفاد أن سبب نقضها دخول ولد الولد مع الولد بصدر الكلام ، فإذا كان صدره لا يتناول ولد الولد مع الولد بل مخرج له فكيف يقال بنقض القسمة . ؟ فإن قلت : قد صدقت أن الخصاف صورها بالواو ولكن ذكر بعده ما يفيد معنى ثم ، وهو تقديم البطن الأعلى فاستويا . قلت نعم ، لكن هو إخراج بعد الدخول في الأول بخلاف التعبير بثم من أول الكلام ، فإن البطن الثاني لم يدخل مع البطن الأول فكيف يصح أن يستدل بكلام الخصاف على مسألة السبكي رحمه الله مع أن السبكي بنى القول بنقض القسمة على أن الواقف إذا ذكر شرطين متعارضين يعمل بأولهما . ؟ قال : وليس هذا من باب النسخ حتى يعمل بالمتأخر . 35 -

                فإن كان هذا رأي السبكي في الشرطين ، فلا كلام في عدم [ ص: 426 ] التعويل عليه ، وإن كان مذهب الشافعي رحمه الله ; فهو مشكل على قولهم : أن شرط الواقف كنص الشارع . فإنه يقتضي العمل بالمتأخر ، وحيث كان مبنى كلام السبكي على ذلك لم يصح القول به على مذهبنا ; فإن مذهبنا العمل بالمتأخر منهما . قال الإمام الخصاف إنه لو كتب في أول المكتوب بعد الوقف : لا يباع ولا يوهب وكتب في آخره : على أن لفلان بيع ذلك والاستبدال بثمنه ، كان له الاستبدال . قال من قبل : إن الآخر ناسخ للأول ولو كان على عكسه امتنع بيعه ( انتهى ) .

                فالحاصل أن الواقف إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده ، وعلى أولاد أولاد أولاده ، وعلى ذريته ونسله طبقة بعد طبقة ، وبطنا بعد بطن ، تحجب الطبقة العليا السفلى . على أن من مات عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من هو في درجته وذوي طبقته ، وعلى أن من مات قبل دخوله في هذا الوقف واستحقاقه لشيء من منافعه وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك استحق ما [ ص: 427 ] كان يستحقه أبوه لو كان حيا .

                هذه الصورة كثيرة الوقوع بالقاهرة ، لكن بعضهم يعبر عنها بثم بين الطبقات ، وبعضهم بالواو ، فإن كان بالواو يقسم الوقف بين الطبقة العليا وبين أولاد المتوفى في حياة الواقف قبل دخوله ; فلهم ما خص آباءهم لو كان حيا مع إخوته . فمن مات من أولاد الواقف وله ولد كان نصيبه لولده . ومن مات عن غير ولد كان نصيبه لإخوته ، فيستمر الحال كذلك إلى انقراض البطن الأعلى . وهي مسألة الخصاف التي قال فيها بنقض القسمة حيث ذكر بالواو ، وقد علمته . وإن ذكر بثم ، فمن مات عن ولد من أهل البطن الأول انتقل نصيبه إلى ولده ، ويستمر له ولا ينقض أصلا بعده ولو انقرض أهل البطن الأول ، فإذا مات أحد ولدي الواقف عن ولد والآخر عن عشرة كان النصف لولد من مات وله ولد والنصف الآخر للعشرة ، فإذا مات ابنا الواقف استمر النصف للواحد والنصف للعشرة ، وإن استووا في الطبقة ; فقوله على أن من مات وله ولد مخصوص من ترتيب البطون فلا يراعى الترتيب فيه . ثم من كان له شيء ينتقل إلى ولده ، وهكذا إلى آخر البطون ، حتى لو قدر أن الواقف مات عن ولدين ثم إن أحدهما مات عن عشرة أولاد ، والثاني عن ولد واحد ، والولد أخلف كل أولادا حتى وصلوا إلى المائة في البطن العاشر يعطى للواحد نصف الوقف والنصف الآخر بين المائة ، وإن استووا في الدرجة . ثم اعلم أن المراد من قولهم : تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى ; أنه [ ص: 428 ]

                إن لم يشترط انتقال نصيب من مات لولده أن كل أصل يحجب فرعه وفرع غيره ; فلا حق لأهل البطن الثاني ما دام واحد من البطن الأول موجودا ، وإن اشترط الانتقال إلى الولد فالمراد أن الأصل يحجب فرع نفسه لا فرع غيره ، لكن يقع في بعض كتب الأوقاف أنهم يقولون : بطنا بعد بطن ، ثم يقولون : تحجب الطبقة العليا السفلى . ولا شك أنه من باب التأكيد وإن حجب العليا السفلى . ولا شك أنه إذا جمع بين ثم وما ذكرناه ، كان ما بعد ثم تأكيدا لأن ترتيب الطبقات مستفاد من ثم . كما أفاده الطرسوسي في أنفع الوسائل . ثم اعلم أن العلامة عبد البر بن الشحنة نقل في شرح المنظومة عن فتاوى السبكي واقعتين غير ما نقله الأسيوطي ، وذكر أن بعضهم نسب السبكي إلى التناقض ، وحكي عنه أنه كتب خطه تحت جواب ابن القماح بشيء ثم تبين له خطؤه فرجع عنه ، وأطال في تقريره ، ونظم للواقعة أبياتا . فمن رام زيادة الاطلاع فليرجع إليه . ولم تزل العلماء في سائر الأعصار مختلفين في فهم شروط الواقفين إلا من رحمه الله ، والله الموفق والميسر لكل عسير .

                [ ص: 414 - 416 ]

                التالي السابق


                [ ص: 414 - 416 ] قوله : فأجاب بأنه تعارض فيه اللفظان إلخ . يعني في استحقاق ولد أخيه معه فإن قوله : مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى ، ويصدق على نجم الدين أن والده مؤيد الدين مات قبل أن يستحق ما كانت خديجة تستحقه فينبغي أن يستحق ما كان يستحقه والده لو كان حيا في حصتها ، إذ لو كان موجودا لشارك أخاه عماد الدين وأخذ هو أي مؤيد الدين النصف وعماد الدين النصف ، فمقتضى ذلك أن يستحق نجم الدين ، وقوله : من مات من أولاده انتقل نصيبه للباقين من إخوته يقتضي أن يختص عماد الدين به لأنه أخوها . [ ص: 417 ]

                ( 29 ) قوله : ووافقه على انتقاض القسمة إلخ . فيه نظر لأن كلام السيوطي لا يظهر منه نقض القسمة ; نعم على كلام السبكي ( انتهى ) .

                وقد يقال : إن عدم تعرضه لنقض القسمة بالرد دليل على الموافقة .

                ( 30 ) قوله : وأما قوله تنتقض القسمة بعد انقراض كل بطن إلخ . المتبادر منه [ ص: 418 ] رجوع الضمير للسيوطي وليس كذلك ، فإن السيوطي لم يتعرض لنقض القسمة لا بإثبات ولا بنفي بل الضمير راجع للسبكي ، وعليه ففي العبارة تفكيك للضمير وهو معيب عند المصنفين .

                ( 31 ) قوله : فقد أفتى به بعض علماء العصر إلخ . قيل عليه : كأنه يزعم أنهم مخطئون وهو على الصواب ، والأمر بالعكس لا ارتياب ، فالمفتي بذلك بعض مشايخه الذين هم بالإصلاح واتباع المنقول معروفون ، وقد أفتى في نظير هذه الواقعة أفاضل الحنفية والشافعية والترتيب فيها بلفظ ثم ، وهم مشايخنا ومشايخهم منهم شيخ الإسلام سري الدين عبد البر بن الشحنة الحنفي ، وتبعه المحقق نور الدين المحلي الشافعي ، والشيخ برهان الدين الطرابلسي الحنفي وقاضي القضاة شيخنا نور الدين الطرابلسي ، والشيخ العمدة المحلي الشافعي ، وشيخنا العلامة شهاب الدين الرملي ومنهم قاضي القضاة برهان الدين بن أبي شريف ، وتبعه العلامة علاء الدين الإخميمي وغيرهم .

                ( 32 ) قوله : ولم يتنبهوا لما صوره الخصاف إلخ . قيل عليه : هل يتوهم عاقل فضلا عن فاضل أن هؤلاء وغيرهم جميعا لم يتنبهوا الفرق الذي خصه الله به وأطلعه عليه ، مع علو مقامهم وارتفاع شأنهم بل هو المحتاج إلى الانتباه وإزالة الاشتباه عافانا الله تعالى وإياه ، بل يجب أن نتبعه لما قاله الزيني قاسم في العثمة ونقله عن أكابر الشافعية من متابعتهم للإمام الخصاف في نقض القسمة وما نقله من عبارته فلو مات العشرة وترك كل والدا واحدا بعد واحد ، وكلما مات واحد انتقل نصيبه إلى ولده ، وليس مراده أن جملة العشرة ماتوا بدليل قوله بعد فإن بقي واحد فتأمل . [ ص: 419 ]

                ( 33 ) قوله : الثالثة وقف على ولده وأولادهم إلخ . قيل عليه : لا يظهر إخراج من مات أبوه قبل الوقف ، فإن الظاهر من حال الواقفين التعميم بمثله وكونه يحرم بسبب موت أبيه بعيد جدا ، بل نظير ذلك لو قال : على أولادي الفقراء . أو يقول : الفقراء من أولادي ، فكان له أولاد أغنياء ولهم أولاد فقراء يحرمون لغناء آبائهم ، والجواب أن هؤلاء الأولاد إنما حرموا ; لأنه أضافهم إلى الضمير العائد على الموقوف عليهم وليس ذلك إلا للموجودين . [ ص: 420 - 423 ]

                ( 34 ) قوله : فالقول بنقض القسمة وعدمه مبني على هذا إلخ . قيل عليه : قلنا ليس كذلك بل بناه الإمام الخصاف على ما ذكره بقوله في جواب قول السائل فلم كان هذا القول هو المعمول به وتركت قوله : فإن حدث الموت على أحد منهم كان نصيبه مردودا إلى ولده وإلى ولد ولده إلخ ؟ . قال : من . ؟ قيل : إنا وجدنا بعضهم يدخل في الغلة ويجب حقه فيها بنفسه لا بأبيه فعلمنا بذلك وقسمنا الغلة على عددهم . وتوضيحه أن الواقف على الصفة المشروحة قد رتب في وقفه ترتيبا يقتضي استحقاق البطن الأعلى مقدما على غيره مع صلة البعض الأسفل مع وجود البطن الأعلى ، يجعل نصيب الميت من البطن الأعلى مردودا لولده وإن سفل ، قصدا لعدم حرمانه من الوصول إلى شيء من صدقته ووقفه بعد موت أبيه الذي صلته صلة أبيه غالبا ، وكان كلامه مشتملا على ترتيبين : ترتيب أفراد وهو ترتيب الفرع على أصله وعدم حرمان أحد من البطن بفرع غيره ، وترتيب جملة وهو ترتيب استحقاق جملة البطن الثاني على انقراض جملة البطن الأول وهو ترتيب جملي فيكون الوقف منحصرا في البطن الذي يليه ويبطل حكم ما انتقل من الميت الأب الأعلى إلى ولده من الأسفل ، ويستحق جميع الوقف جميع البطن الثاني فيضرب معهم بسهمه الذي يستحقه بقول الواقف : وولد ولدي بطنا بعد بطن كما يضرب ولد من مات قبل الوقف من البطن الأعلى بسهمه لأنه من البطن الثاني [ ص: 424 ] يستحق لعموم قوله : وعلى ولد ولدي .

                ولم يبق حينئذ ممن يحتاج فيها إلى انتقال نصيب أحد إلى ولده لاستواء أهل البطن في الاستحقاق . لا يقال : الاستواء في الاستحقاق مخصوص بما إذا مات أهل الطبقة ولم يكن هناك ولد أو ولد ولد ، لأنا نقول : صريح كلام الخصاف ينادي بخلافه ، فإنه قال : يقسم على عدد الأولاد الأحياء والأموات فيأخذ الأحياء سهامهم وسهام الأموات تعطى لأولادهم ، قلت وحينئذ فالاستواء قسمان : حقيقي وهو الظاهر المتبادر ، وحكمي وهو ما إذا كان ثمة أولاد وأسفل وذلك لأن الواقف جعل ابن الابن عند عدمه قائما مقامه فقد جعله من تلك الطبقة حكما وهذا يقع كثيرا في ابتداء الوقف بأن كان للواقف ولد مات قبل وقفه ، وله ولد ذكر الزيني قاسم صورتين أفتى فيهما العلامة السبكي والعلامة البلقيني بنقض القسمة ، وقراره بما ذكرنا .

                وقال بعض المحققين بعد نقل كلامه : وهذا التعليل من الخصاف يقتضي أن الظاهر أن يقال : يقتضي أن الشرطين في كلام الواقفين متعارضان ورجح الثاني لاستحقاقهم بأنفسهم واستحقاقهم في الأول بآبائهم ، والاستحقاق بالنفس مقدم على الاستحقاق بالأب ، لأن ذلك بلا واسطة ، وقد ترجح أيضا بأن قوله لولد ولده مطلق وتقييده دون تخصيص العموم أسهل ، والبطن الثاني عموم فتخصيصه ضعيف واحتمل تقيد المطلق لأنه قد عمل به في حياة أعمامه ، ولم يحتمل تخصيص العام لما فيه من حرمان بعض الأفراد بالكلية . ثم قال : وعندي لكلام الخصاف ومن وافقه توجيه ببحث أصولي وهو أن فيه استنباط معنى من النص يخصصه ، فإن فهم أن المعنى في جعل الواقف نصيب من له ولد لولده أن لا يحرم ولده مع وجود الطبقة التي هي أعلى منه ، كذلك من له ولد لولده أن لا يحرم ولده مع وجود الطبقة التي هي أعلى منه ، فأعطاه لذلك نصيب والده ، فإذا لم يحرم فلا يعطى نصيب والده ولا يعطى ما تقتضيه القسمة على طبقته . فحمل على ما إذا وجد من أهل الطبقة الأولى أحد فإنه لو لم يعطه في هذه الصورة نصيبا لحرم وأخرج عنه ما إذا لم يوجد من الطبقة الأولى أحد فإنه لو لم يعطه في هذه الصورة نصيبا لحرم وأخرج عنه ما إذا لم يوجد من الطبقة الأولى أحد فإنه لا يحرم حاجب فأعطيناه ما يليق بطبقته ، وهذا هو المشهور في الأصول عندنا وعند غيرنا . وقد علم في محله . [ ص: 425 ]

                ( 35 ) قوله : فإن كان هذا رأي السبكي إلخ . قيل : عدم التعويل إن كان بمجرد كونه كلام السبكي فهو كلام من جهل مقام السبكي ، فإنه اشتهر حاله بين الأئمة وبلغ رتبة الاجتهاد وأيضا إذا كان الكلام متجها يجب الالتفات إليه والتعويل عليه ، سواء قاله مشهور أو غيره . وهكذا الكلام متجه على مذهبهم أن الوقف إذا تم بمجرد قول الواقف وقفت كذا فالشرط الثاني إذا وقع كان بعد خروج الأمر من يده فيلغو ، واستشكاله كونه من قول الشافعي ، مع قولهم : شرط الواقف كنص الشارع ساقط بالمرة [ ص: 426 ] لأن هذا لم يرد به أنه مثله من كل الوجوه ، تعالى الله أن يشبه كلام الناس بكلامه عموما فإنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . والواقف عبد من العبيد وإنما شبهوه به في لزوم اتباعه بأمر الشارع فيما لا يخالف الشرع . قال المحقق الحجة قاسم في قولهم المذكور : نصوص الواقف كنصوص الشارع ، يعني في الفهم لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ، واللغة التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع أو لا ، ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي ونحو ذلك لم يصح ( انتهى ) . فكيف يشبه بنص الشارع . ؟ [ ص: 427 ]

                [ ص: 428 ] قوله : إن لم يشترط انتقال نصيب من مات لولده إلخ . هذا أيضا مبني على ما توهمه من أن الأصل يحجب فرع غيره لو شرط ذلك كما في ولد ولد من مات قبل الوقف ، فإنه يحجبه الولد لكونه أعلى من طبقته نعم إذا انقرضت الطبقة استحق ولد ولد المذكور مع من في طبقته فالإطلاق خطأ .




                الخدمات العلمية