الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                20 - للزوج أن يضرب زوجته على أربع وما بمعناها : 21 - على ترك الزينة بعد طلبها ، وعلى عدم إجابتها إلى فراشه وهي طاهرة من الحيض والنفاس ، وعلى خروجها من منزله بغير إذنه بغير حق [ ص: 107 ] وعلى ترك الصلاة في رواية . 23 -

                وقد بينا في شرح الكنز قولهم وما كان بمعناها .

                لها أن تخرج بغير إذنه قبل إيفاء المعجل مطلقا ، وبعده إذا كان لها حق أو عليها [ ص: 108 ] أو كانت قابلة أو غسالة [ ص: 109 ] أو لزيارة أبويها 26 - كل جمعة مرة ، ولزيارة المحارم كل سنة .

                وفيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة لا تخرج ولا يأذنه ، ولو خرجت بإذنه كانا عاصيين ، واختلفوا في خروجها للحمام 27 - والمعتمد الجواز 28 - بشرط عدم التزين والتطيب

                التالي السابق


                ( 20 ) قوله :

                للزوج أن يضرب زوجته إلخ .

                استفيد من تعبيره باللام دون على أن الزوج لا يجب عليه ضرب زوجته أصلا بل هو مباح .

                ومنفعته ترجع عليه كما ترجع إلى المرأة من وجه وهو استقامتها على ما أمر الله تعالى به ، واعلم أن كل ضرب مأمور به من جهة الشرع . فإن الضارب لا ضمان عليه بموته .

                وكل ضرب كان مأذونا فيه بدون الأمر فإن الضارب يضمنه إذا مات لتقيده بشرط السلامة كالمرور في الطريق . ( 21 ) قوله :

                على ترك الزينة بعد طلبها إلخ .

                يعني إذا كانت قادرة عليها وكانت شرعية وإلا فلا .

                كما أنه يجوز ضربها لترك الإجابة إذا كانت طاهرة عن الحيض والنفاس ، وكما يجوز ضربها للخروج إذا كان الخروج بغير حق .

                وأما إذا كان بحق فليس له ضربها .

                وقد بين المصنف المواضع التي تخرج إليها بغير إذنه .

                [ ص: 107 ] قوله : وعلى ترك الصلاة في رواية إلخ .

                وعليه مشى في الكنز تبعا للكثيرين وفي النهاية تبعا لما في الحاكم أنه لا يجوز له لأن المنفعة لا تعود إليه بل إليها . ( 23 ) قوله :

                وقد بينا في شرح الكنز قولهم وما كان بمعناها إلخ .

                حيث قال في فصل التعزير عند قوله : بخلاف الزوج إذا ضرب زوجته لترك الزينة إلخ .

                وليس في كلام المصنف رحمه الله ما يقتضي أنه ليس له ضربها في غير هذه الأربعة ، ولهذا قال الولوالجي في فتاواه : للزوج أن يضرب زوجته على أربعة أشياء ، وما في معناها ففي قوله : وما في معناها إفادة عدم الحصر ، فما في معناها ما إذا ضربت جارية زوجها غيرة ولم تتعظ بوعظه ، فله ضربها كذا في القنية .

                وينبغي أن يلحق به ما إذا ضربت الولد الذي لا يعقل عند بكائه ; لأن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا أولى ، ومنه ما إذا شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته أو قالت له : يا حمار يا أبله يا بغلة ، أو لعنته سواء شتمها أو لا ، على قول العامة ومنه : ما إذا شتمت أجنبيا ، ومنه : ما إذا كشفت وجهها لغير محرم أو كلمت أجنبيا أو تكلمت عمدا مع الزوج أو شاغبت معه ليسمع صوتها الأجنبي ، ومنه : ما إذا أعطت من بيته شيئا من الطعام بلا إذنه ، حيث كانت العادة لم تجر به ، ومنه : ما إذا ادعت عليه ، وليس منه : ما إذا طلبت نفقتها وكسوتها وألحت ; لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي ، كذا أفاده في البزازية في مسائل الضرب من فصل الأمر باليد .

                والمعنى الجامع للكل أنها إذا ارتكبت معصية ليس فيها حد مقدر ، فإن للزوج أن يعزرها كما أن ذلك للسيد بعبده .

                كذا في البدائع من فصل القسم بين النساء وهو شامل لما كان متعلقا بالزوج وبغيره ، وقد صرحوا : بأنه إذا ضربها بغير حق وجب عليه التعزير وأطلق في الزوجة فشمل الصغيرة .

                ولذا قال في التبيين : إن التعزير مشروع في حق الصبيان وفي القنية : غلام مراهق شتم عالما فعليه التعزير ( انتهى ) .

                وفي المجتبى معزيا للسرخسي : الصغير لا يمنع وجوب التعزير ولو كان حق الله تعالى يمنع .

                وعن الترجمان : البلوغ يعتبر في التعزير ، أراد به ما وجب حقا [ ص: 108 ] لله تعالى نحو ما إذا شرب الصبي أو زنى أو سرق

                وما ذكره السرخسي فيما يجب حقا للعبادة توفيقا بينهما قيد بالزوجة ، لأن ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلاة إذا بلغت عشرا لا يجوز ، كما في القنية .

                وله أن يضرب اليتيم فيما يضرب ولده به ، وردت الآثار والأخبار وفي الروضة له أن يكره ولده الصغير إذا حلف ولده أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو أمه على الحنث ويكره ولده الصغير على تعليم القرآن والأدب والعلم ، لأن ذلك فرض على الوالدين ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضربه بخلاف الحر ، فهذا تنصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره ، بخلاف المعلم ; لأن المأمور يضربه نيابة عن الأب لمصلحته ، والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة الولد

                ( 24 ) قوله :

                أو كانت قابلة أو غسالة إلخ .

                في الخلاصة : معزيا إلى مجموع النوازل : يجوز للرجل أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع : زيارة الأبوين وعيادتهما وتعزيتهما أو أحدهما وزيارة المحارم ، فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها على آخر حق تخرج بالإذن وبغير الإذن والحج على هذا أو فيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم ، والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج ، ولو أذن وخرجت كانا عاصيين .

                وتمنع من الحمام فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بغير رضى الزوج ليس لها ذلك .

                فإن وقعت لها نازلة إن سأل الزوج من العالم وأخبرها بذلك لا يسعها الخروج .

                وإن امتنع من السؤال يسعها الخروج من غير رضى الزوج وإن لم يقع لها نازلة لكن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لتعلم مسألة من مسائل الوضوء والصلاة ، إن كان الزوج يحفظ المسائل ويذكرها عندها له أن يمنعها ، وإن كان لا يحفظ الأولى أن يأذن لها أحيانا وإن لم يأذن لها لا شيء عليه ولا يسعها ما لم تقع لها نازلة .

                وفي الفتاوى في باب الواو : المرأة قبل أن تقبض مهرها لها أن تخرج في حوائجها وتزور الأقارب بغير إذن الزوج ، فإن أعطاها المهر ليس لها الخروج إلا بإذن الزوج . ( انتهى ) .

                وهكذا في الخانية إلا أنه زاد : أنها تخرج بغير إذن الزوج أيضا إذا كانت في منزل تخاف السقوط عليها ، وقيد الحج بالفرض مع وجود المحرم ، وقيد خروج القابلة والغاسلة بإذن الزوج .

                وفسر الغاسلة بمن تغسل الموتى وينبغي للزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج ; لأن في [ ص: 109 ] الخروج إضرارا به وهي محبوسة لحقه ، وحقه مقدم على فرض الكفاية بخلاف الحج الفرض ; لأن حقه لا يقدم على فرض العين .

                قال المصنف رحمه الله في البحر : وينبغي أن يحمل كلامهم هنا على المرأة التي لم تكن مخدرة في مسألة خروجها للخصومة عند القاضي ; لأنه حينئذ لا يقبل منها التوكيل ، وأما إذا كانت مخدرة فليس لها الخروج بغير إذن الزوج لقبول التوكيل منها بغير رضاء الخصم . إما الزوج أو غيره . ولم أر من نبه على هذا ( انتهى ) .

                أقول : لم ينهوا عليه اتكالا على علمه من كتاب الوكالة .

                ( 25 ) قوله :

                أو لزيارة أبويها إلخ .

                أي أو كانت مريدة لزيارة أبويها أي كل واحد منهما .

                لأن الحكم على المثنى حكم على كل فرد كما حقق في محله وفي كلام المصنف رحمه الله حذف المعطوف بأو وهو لا يجوز .

                ( 26 ) قوله :

                كل جمعة مرة ولزيارة المحارم كل سنة إلخ .

                يعني على الصحيح المفتى به ، وأما الخروج للأهل زائدا على ذلك فلها ذلك بإذنه .

                ( 27 ) قوله :

                والمعتمد الجواز إلخ .

                في الخانية في فصل الحمام : دخول الحمام مشروع للرجال والنساء جميعا خلافا لما قاله بعض الناس ( انتهى ) .

                وهل تخرج لمجلس الوعظ ؟ قال في متفرقات البزازية تخرج إذا كان خاليا عن البدع . ( 28 ) قوله : يشترط عدم التزين إلخ .

                أقول ليس ما ذكر خاصا بالخروج لدخول الحمام ، بل هو شرط في كل خروج

                قال المحقق ابن الهمام : وحيث أبحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغير الهيئة إلى ما تكون داعية لنظر الرجال والاستمالة ، قال الله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية } الآية




                الخدمات العلمية