الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 125 ] لو علقها بعدم وصول نفقتها شهرا فادعاه وأنكرت ، فالقول لها في المال والطلاق على الصحيح كما في الخلاصة ، وفيما إذا طلقها للسنة وادعى جماعها في الحيض وأنكرت ، وفيما إذا ادعى المولي قربانها بعد المدة فيها وأنكرت ، وفيما إذا علق عتقه بطلاقها ثم خيرها وادعى إنها اختارت بعد المجلس وهي فيه كما في الكافي .

                إذا علق بفعلها القلبي تعلق بإخبارها ولو كاذبة ، إلا إذا قال إن سررتك فأنت طالق فضربها فقالت سررت لم يقع [ ص: 126 ] كما في الخانية من الطلاق .

                إذا علقه بما لا يعلم إلا من جهتها كحيضها فالقول لها في حقها .

                وإذا علق عتقه بما لا يعلم إلا منه فالقول له على الأصح كقوله للعبد : إن احتلمت فأنت حر [ ص: 127 ] فقال : احتلمت وقع بإخباره كما في المحيط . 27 -

                وفرق بينهما في الخانية بإمكان النظر إلى خروج المني بخلاف الدم الخارج من الرحم

                [ ص: 125 ]

                التالي السابق


                [ ص: 125 ] قوله : لو علقه بعدم وصول نفقتها إلى قوله ، فالقول لها إلخ .

                أقول : في القنية ما يخالفه فإنه ، قال : لو قال : إن لم تصل نفقتي إليك إلى عشرة أيام فأنت طالق ثم اختلفا بعد العشرة فادعى الزوج فأنكرته هي ، فالقول له ( انتهى ) .

                لكن صحح في خلاصة الفتاوى والبزازية عدم قبول قوله في كل موضع يدعي إيفاء حق مالي وهي تنكر فهذا يقتضي تخصيص المتون ، فاغتنم هذا .

                وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في البحر عند قول الكنز في باب التعليق وزوال الملك : بعد اليمين يبطلها مسألتان كثر وقوعهما الأولى : حلف ليؤدين له اليوم كذا فعجز عن الأداء بأن لم يكن معه شيء ولا وجد من يقرضه .

                الثانية : ما يكتب في التعاليق أنه متى نقلها أو تزوج عليها وأبرأته من كذا مما لها عليه فدفع لها جميع مالها عليه قبل الشرط ، فهل يبطل اليمين ؟ فالجواب : أن قوله : إنه متى عجز عن المحلوف عليه واليمين موقتة فإنها تبطل ببطلانها ، في الحادثة الأولى إلا أنه يوجد نقل صريح بخلافه

                وأما الثانية : فقد يقال بأن الإبراء بعد الأداء ممكن فإنه لو دفع الدين إلى صاحبه ثم قال الدائن للمديون : قد أبرأتك براءة إسقاط

                قال في الذخيرة : صح الإبراء ويرجع المديون بما دفعه ، إلا أن يوجد نقل بخلافه ( انتهى ) .

                وقد سئل صاحب التنوير عن المديون إذا حلف على أداء الدين في مدة معينة وهو فقير لا يملك الدين ولا بعضه أنه لا يحنث لعدم تصور البر وكون اليمين موقتة هل يصح أن يخرج على ما ذكره صاحب القنية من أنه متى عجز [ ص: 126 ] الحالف عن الفعل المحلوف عليه واليمين موقتة وعلى مسألة الكوز المشهورة فأجاب بقوله لم تكن مسألة الدين داخلة تحت الأصل المذكور ; لأن شرطه أن لا يمكن البر أصلا بأن كان مستحيلا حقيقة كمسألة الكوز فإن شرب الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه غير ممكن حتى لو كان ممكنا حقيقة غير ممكن عادة كانت اليمين منعقدة وباقية في الموقتة ، كمسألة الحلف ليصعدن إلى السماء فإنه لما كان ممكنا حقيقة انعقدت اليمين ولما كان مستحيلا عادة حنث للحال ، كما حققه المحقق ابن الهمام .

                وفي مسألتي البر ممكن حقيقة وعادة مع الاعتبار لإمكان أن يوهب له شيء أو يتصدق عليه أو يرث شيئا أو يبرئه صاحب الدين قبل مضي الوقت من غير أداء سواء كان قادرا أو معسرا .

                وبه أفتى شيخنا صاحب البحر لكنه ذكر في شرحه للكنز خلافه اعتمادا على ما ذكره صاحب القنية من القاعدة المذكورة ( انتهى ) .

                قيل : ما ذكره صاحب البحر عن القنية يعكس عليه ما ذكره ابن الشحنة في شرح المنظومة : من أن شرط الحنث إذا كان عدميا وعجز عن مباشرته .

                فالمختار ، الحنث وإن كان وجوديا أو عجز فالمختار عدم الحنث ( انتهى ) .

                ورد بأنه لا يعكس عليه ذلك ; لأن شرط الحنث في ليؤدين له اليوم عدمي وهو عدم الأداء لكن لم يعجز عنه إنما عجز عن مباشرة شرط البر وهو الأداء ولم يعجز عن عدم الأداء بخلاف قوله : إن لم أخرج اليوم فمنع ; لأن شرط الحنث عدمي وهو عدم السكنى والمكث في الداخل وقد عجز عنه بمنعه من الخروج فحصل منه السكنى والمكث وعجز عن عدم ذلك فيحنث فتأمل .

                ( 26 ) قوله :

                كما في الخانية من الطلاق إلخ .

                أقول : علله في الخانية يتيقن كذبها ثم قال : وفيه إشكال وهو أن السرور مما لا يوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق بخبرها ويقبل قولها في ذلك وإن كنا نتيقن بكذبها .

                كما لو قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق ، فقالت : أحبه يقع الطلاق عليها ولو أعطاها ألف درهم فقالت : لم يسرني كان القول قولها ولا يقع الطلاق لاحتمال أنها طالبت الغنى فلا يسرها الألف . [ ص: 127 ] قوله : وفرق بينهما في الخانية إلخ .

                نص عبارة الخانية رجل له امرأة بنت عشر سنوات وغلام ابن أربعة عشر سنة ، فقال للمرأة : إذا حضت فأنت طالق ، وقال للغلام : إذا احتلمت فأنت حر - فقالت الجارية قد حضت .

                وقال الغلام : قد احتلمت ، قال : تصدق المرأة ولا يصدق الغلام . قال : لأن الغلام يمكن أن ينظر كيف يخرج منه المني أما خروج الدم من الفرج لا يعلم أنه حيض فلا يقف غيرها ( انتهى ) . أقول على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من التصحيح لا يحتاج إلى ذكر الفرق الذي ذكره قاضي خان وإنما ذكره قاضي خان لأنه لم يتعرض للقول بقبول قوله فضلا عن تصحيحه




                الخدمات العلمية