الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                [ ص: 11 ] وصلى الله

                التالي السابق


                ( 3 ) وصلى الله على سيدنا محمد : صلى فعل ماض قياسا مصدره التصلية وهو مهجور فلا يقال لعدم السماع وإن كان هو القياس . كذا قال غير واحد وفي القاموس ما يؤيده حيث قال صلى صلاة لا تصلية دعاء ( انتهى ) . أقول دعوى عدم السماع ممنوعة فقد سمع في الشعر القديم كما في العقد لابن عبد ربه : [ ص: 12 ]

                تركت القيان وعزف القيان وأدمنت تصلية وابتهالا

                وهو من شعر أنشده ثعلب وله قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها ثم قال قوله تصلية وابتهالا تصلية من الصلاة وابتهالا من الدعاء يقال صليت صلاة وتصلية ( انتهى ) . وقد ذكره الزوزني في مصادره فقال : التصلية " نماز كردن ودروددان " ( انتهى ) . وكأنه إنما تركه أكثر أهل اللغة لأنه مصدر قياسي وأهل اللغة عنايتهم بالمصادر السماعية دون القياسية فتركهم له وإن سمع اتكالا على القياس . وعلى هذا فترك استعمال التصلية في الخطب إنما هو لإيهام اللفظ ما ليس مرادا وهو التصلية بمعنى التعذيب بالنار فإنه مصدر مشترك بينهما فإنه يقال صلاه تصلية كما يقال صلى تصلية لا لعدم السماع . وفي شرح النقاية للعلامة محمد القهستاني والصلاة اسم من التصلية وكلاهما مستعمل بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان ، فإن مصدره لم يستعمل كما ذكره الجوهري وغيره . وألفها منقلبة عن الواو ولم يكتب بها إلا في القرآن كما قال ابن درستويه ( انتهى ) . هذا ما يتعلق بلفظها على سبيل الإيجاز وأما معناها ففي الكشاف في تفسير قوله تعالى { يقيمون الصلاة } أنها تحريك الصلاتين حقيقة سميت بها الأركان المخصوصة لتحركهما فيها ثم سمي بها الدعاء تشبيها للداعي بالمصلي في تخشعه فهي في الدعاء استعارة من المجاز المرسل . وفي الكشاف أيضا عند قوله تعالى { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } أن الصلاة عبارة عن الأركان المخصوصة ثم نقلت إلى الانعطاف على وجه الترحم كانعطاف عائد المريض عليه والمرأة على ولدها لوجوده فيها ، ثم منه إلى الدعاء فيكون في الدعاء مجازا عن الاستعارة ( انتهى ) . وفي الفائق أن الصلاة تقويم العود ثم قيل للرحمة صلاة لاشتمالها على تقويم العمل ثم نقلت إلى الدعاء فهي في الدعاء مجاز مرسل عن الاستعارة ( انتهى ) . ولا يخفى ما بينهما من الخلاف وقد تعقب ما في الكشاف العلامة سعد الدين في حاشيته عليه عند قوله في سورة البقرة { ويقيمون الصلاة } بما حاصله أن الإنصاف هو ما عليه الجمهور من أنها حقيقة لغوية في الدعاء مجاز في العبادة المخصوصة لاشتمالها على الدعاء وبين ذلك أحسن بيان . وهذا هو ما اشتهر بينهم . وفي بدائع الفوائد لابن القيم قولهم الصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة ، [ ص: 13 ] باطل من ثلاثة أوجه أحدها : أن الله تعالى غاير بينهما في قوله { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } والثاني أن سؤال الرحمة يشرع لكل مسلم والصلاة تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولآله فهي حق له ولآله ولهذا منع كثير من العلماء من الصلاة على معين غيره ولم يمنع أحد من الترحم على معين غيره . الثالث أن رحمة الله تعالى عامة وسعت كل شيء وصلاته خاصة بخواص عباده وقولهم الصلاة بمعنى الدعاء مشكل من وجوه : أحدها أن الدعاء يكون بالخير والشر والصلاة لا تكون إلا في الخير والثاني أن دعوت يتعدى باللام وصليت لا يتعدى إلا بعلى ودعي المتعدي بعلى ليس بمعنى صلى وهذا يدل على أن الصلاة ليست بمعنى الدعاء والثالث أن فعل الدعاء يقتضي مدعوا ومدعوا له تقول دعوت الله لك بخير . وفعل الصلاة لا يقتضي ذلك فلا تقول صليت الله عليك ولا لك فدل على أنه ليس بمعناه فأي تباين أظهر من هذا ؟ ، ولكن التقليد يعمي عن إدراك الحقائق فإياك والإخلاد إلى أرضه ( انتهى )




                الخدمات العلمية