الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

( ( نتابع الأخيار من أهل الأثر ونقتفي الآثار لا أهل الأشر ) )      ( ( ولا نقل إيماننا مخلوق
ولا قديم هكذا مطلوق ) )      ( ( فإنه يشمل للصلاة
ونحوها من سائر الطاعات ) )      ( ( ففعلنا نحو الرجوع محدث
وكل قرآن قديم فابحثوا ) )

[ ص: 440 ] ( ( نتابع ) ) في اعتقادنا الجازم وسيرنا الحازم ( ( الأخيار من ) ) الصحابة ، والتابعين لهم بإحسان وأئمة ( ( أهل الأثر ) ) على نهج سيد ولد عدنان على مقتضى محكم القرآن ( ( ونقتفي ) ) أي نتبع يقال قفوته قفوا اتبعته كتقفيته كما في القاموس . وفي النهاية يقال قفوته وقفيته ، واقتفيته إذا تبعته واقتديت به [ ص: 441 ] ( ( الآثار ) ) المأثورة عن الكتاب المنزل ، والنبي المرسل ، والصحابة ، والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين من أهل التحقيق والعرفان بالنقل الصحيح والمعنى الصريح ، فهم أهل الدراية والرواية وأحق الناس بالإصابة والهداية ، [ ص: 442 ] فمهما بذلنا مجهودنا في النظر ، والتحرير لا يكون إلا دون ما سلكوه من التحقيق ، والتنقير ( ( لا ) ) نتابع ونقتدي وننحو في سيرنا ( ( أهل الأشر ) ) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة فراء : الفرح ، والمرح من كل متحذلق [ ص: 443 ] ومتشدق ومتعمق ومتودق من فروخ الجهمية وشيوخ المرجئة وأتباع الكرامية فهم في طرف ، ونحن في طرف فبيننا وبينهم من البون كما بين الحركة ، والسكون .

[ ص: 444 ] ولما انتهى الكلام على الإيمان وما يتعلق به وذكر خلاف الناس في حقيقته وما يترتب عليه من الزيادة ، والنقصان ، والاستثناء ختم الكلام عليه بذكر مسألة عظيمة ، فقال : ( ( ولا تقل ) ) أيها الأثري من الحنابلة ومن وافقهم [ ص: 445 ] ( ( إيماننا ) ) الذي هو قول باللسان وعقد بالجنان وعمل بالأركان ( ( مخلوق ) ) لدخول الأعمال فيه التي من جملتها الصلاة المشتملة على فاتحة الكتاب القديم ، ولدخول الأقوال التي من جملتها لا إله إلا الله كلمة الإخلاص ، التي هي من كلام الله - تعالى - فاعلم أنه لا إله إلا الله ( ( ولا ) ) تقل أيها الأثري إيماننا ( ( قديم هكذا مطلوق ) ) عن القيود لدخول أفعالنا من الركوع ، والسجود ، والقيام ، والقعود وأعمال القلوب ونحو ذلك ، ( ( فإنه ) ) أي الإيمان ( ( يشمل للصلاة ) ) المشروعة ، فرضا كانت أو نفلا ( ( و ) ) يشمل ( ( نحوها ) ) أي نحو الصلاة ( ( من سائر ) ) أي بقية ( ( الطاعات ) ) التي يتقرب العبد بها إلى ربه ، وسائر العبادات التي يأتي بها لغفران ذنبه وإنارة قلبه ، والطاعات جمع طاعة مأخوذة من طاع يطوع إذا انقاد وهي في اصطلاح الفقهاء عبادة غير واجبة ، والمراد هنا كل عبادة ، والعبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي وحينئذ يجب التفصيل وهو ما أشير إليه بقوله ( ( ففعلنا ) ) معشر الخلق ( ( محدث ) ) لأنه مسند إليه ومنسوب ومضاف إلى فعله ، والله خالق لأفعال العباد ، وللعبد فعل ينسب إليه ومنسوب تقدم ( ( وكل ) ) ما كان من ( ( قرآن ) ) فهو ( ( قديم ) ) غير مخلوق لأن [ ص: 446 ] كلام الله قديم كما مر البحث فيه في محله مستوفيا ، وقوله : ( ( فابحثوا ) ) أتي به لتتمة البيت . والبحث التفتيش ، والطلب ، والتنقيب ، والتقصي عن دقائق المعاني ، فكل من أدخل الأعمال في الإيمان فلا يسوغ له إطلاق اسم الحدوث ولا القدم على الإيمان ، بل لا بد من هذا التفصيل ، وأما من لم يدخل الأعمال فيه كالأشاعرة فيقولون الإيمان عندهم مخلوق وهذا لا يتمشى مع أصولنا . قال سيدنا الإمام أحمد - رضي الله عنه - : من قال : الإيمان مخلوق كفر ، ومن قال : غير مخلوق ابتدع . فقيل : بالوقف مطلقا ، وقيل : أقواله قديمة وأفعاله مخلوقة .

قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين : وهو أصح ، ونقله عن ابن أبي موسى وغيره . ونقل الإمام الحافظ ابن رجب في طبقات الأصحاب في ترجمة الحافظ عبد الغني المقدسي - قدس الله روحه - ما لفظه قال : روي عن إمامنا أحمد - رضي الله عنه - أنه قال : من قال : الإيمان مخلوق فهو كافر ، ومن قال : قديم فهو مبتدع . قال الحافظ عبد الغني : وإنما كفر من قال بخلقه ; لأن الصلاة من الإيمان ، وهي تشتمل على قراءة وتسبيح وذكر الله - عز وجل - ومن قال بخلق ذلك كفر ، وتشتمل على قيام وقعود وحركة وسكون ومن قال بقدم ذلك ابتدع . انتهى بحروفه ، والله - تعالى - الموفق

التالي السابق


الخدمات العلمية