الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث ) يحرم على العامي الذي ليس بمجتهد تتبع الرخص في التقليد ، ولو قلنا بجواز الانتقال وهو أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب ، قال علماؤنا : ويفسق بذلك لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين ، فإن من قال بالرخص في مذهب لا يقول بالرخصة الأخرى في غيره . قال الإمام ابن عبد البر : لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا . وقال الإمام أحمد - رضي الله عنه - : لو أن رجلا عمل بكل رخصة ؛ يعمل بمذهب أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع ، وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا . وقال معمر : لو أن رجلا يأخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغناء - وإتيان النساء في أدبارهن ، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المسكر ؛ كان أشر عباد الله تعالى . وقال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم - أو قال زلة كل عالم - اجتمع فيك الشر كله . لكن قال القاضي أبو يعلى بن الفراء إمام المذهب بعد ذكر كلام الإمام أحمد - رضي الله عنه - المتقدم آنفا : هذا محمول على أحد الوجهين : إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاد إلى الرخص فهذا فاسق ، لأنه ترك ما هو الحكم عنده واتبع الباطل ، أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق ، لأنه أخل بفرضه وهو التقليد ، قال : وإما أن يكون عاميا وقلد في ذلك لم يفسق ، لأنه قلد من يسوغ اجتهاده . ونظر فيه الجراعي في حواشيه على أصول ابن [ ص: 467 ] اللحام . قلت : وهو الحق ، وقد نقل جمع محققون إنما يجوز تقليد المذاهب في النوازل والانتقال من مذهب إلى مذهب في بعض المسائل بثلاثة شروط : ( الأول ) أن لا يجمع بين المذهبين مثلا على صفة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود ، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد ، قلت أي تزوج بلا ولي مقلدا لأبي حنيفة ، وبلا شهود مقلدا لمالك ، فهذا لم يقل به أحدهما ولا غيرهما ، وهو ذريعة للزنا ، فهذا لا نزاع في رده ، ( الثاني ) أن يعتقد فيمن يقلده الفضل ولو بوصول خبره إليه ، ( الثالث ) أن لا يتتبع رخص المذاهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية