الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى :

                        فلقوله تعالى : ( إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ) ; حسبما جاء في تفسير الآية عن بعض السلف ، وقد تقدم ، ووجهه ظاهر; لأن المتخذين للعجل إنما ضلوا به حتى عبدوه ، لما سمعوا من خواره ، ولما ألقى إليهم السامري فيه ، فكان في حقهم شبهة خرجوا بها عن الحق الذي كان في أيديهم .

                        قال الله تعالى : ( وكذلك نجزي المفترين ) ; فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم ، من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله; حسبما أخبر في كتابه في قوله تعالى : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله ) .

                        [ ص: 167 ] فإذا كل من ابتدع في دين الله ، فهو ذليل حقير بسبب بدعته ، وإن ظهر لبادي الرأي عزه وجبروته ، فهم في أنفسهم أذلاء .

                        وأيضا فإن الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال ، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ، وفيما بعد ذلك ؟ حتى تلبسوا بالسلاطين ، ولاذوا بأهل الدنيا ، ومن لم يقدر على ذلك; استخفى ببدعته ، وهرب بها عن مخالطة الجمهور ، وعمل بأعمالها على التقية .

                        وقد أخبر الله أن هؤلاء الذين اتخذوا العجل سينالهم ما وعدهم ، فأنجز الله وعده ، فقال : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ) .

                        وصدق ذلك الواقع باليهود حيثما حلوا; في أي مكان وزمان كانوا ، لا يزالون أذلاء مقهورين : ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) ، ومن جملة الاعتداء اتخاذهم العجل .

                        هذا بالنسبة إلى الذلة ، وأما الغضب; فمضمون بصادق الأخبار ، فيخاف أن يكون المبتدع داخلا في حكم الغضب ، والله الواقي بفضله .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية