الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
291 - ( 8 ) - حديث ابن عمر : { كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة فرادى ، إلا أن المؤذن كان يقول : قد قامت الصلاة مرتين } أحمد والشافعي وأبو داود والنسائي وأبو عوانة [ ص: 354 ] والدارقطني ، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث شعبة ، عن أبي جعفر المؤذن ، عن مسلم أبي المثنى عنه ، قال شعبة لا يحفظ لأبي جعفر غير هذا الحديث ، فقال ابن حبان : اسمه محمد بن مسلم بن مهران . وقال الحاكم : اسمه عمير بن يزيد بن حبيب الخطمي ، ووهم الحاكم في ذلك ، ورواه أبو عوانة ، والدارقطني من طريق سعيد بن المغيرة الصياد ، عن عيسى بن يونس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وأظن سعيدا وهم فيه ، وإنما رواه عيسى ، عن شعبة كما تقدم ، لكن سعيد وثقه أبو حاتم .

وروى ابن ماجه من حديث سعد القرظ مرفوعا : { كان أذان بلال مثنى مثنى ، وإقامته مفردة }وعن أبي رافع نحوه ، وهما ضعيفان . قوله : إن أبا محذورة لما حكى الأذان عن تلقين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر التكبير في أوله أربعا ، هو كما قال ، فقد ساقه من حديث أبي محذورة بتربيع التكبير في أوله ، الشافعي وأبو داود والنسائي وابن ماجه [ ص: 355 ] وابن حبان ، ورواه مسلم من حديث أبي محذورة فذكر التكبير في أوله مرتين فقط ، وقال ابن القطان : الصحيح في هذا تربيع التكبير ، وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة ، وقد قيد بذلك في نفس الحديث يعني - الآتي بعد قليل - قال : وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح ، انتهى وقد رواه أبو نعيم في المستخرج ، والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم ، عن معاذ بن هشام بسنده وفيه : تربيع التكبير ، وقال بعده : أخرجه مسلم ، عن إسحاق ، وكذلك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من طريق علي بن المديني ، عن معاذ .

292 - ( 9 ) - حديث : عبد الله بن زيد في الأذان ، وفيه : تربيع التكبير في أوله وهي قصة مشهورة . أبو داود ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، والبيهقي من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه . حدثني أبي ; قال : { لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمل الناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة ، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا } ، فذكر الحديث ، وفيه تربيع التكبير ، وإفراد الإقامة ، وفيه : { فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به ، فإنه أندى صوتا منك }وفيه : { أن عمر جاء فقال : قد رأيت مثل ما رأى }. ورواه أحمد عن يعقوب به ، ورواه الترمذي ، وابن ماجه [ ص: 356 ] أيضا من حديث ابن إسحاق ، ورواه أحمد ، والحاكم من وجه آخر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن زيد وقال : هذا أمثل الروايات في قصة عبد الله بن يزيد ، لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ، ورواه يونس ، ومعمر ، وشعيب ، وابن إسحاق ، عن الزهري قال : وأما أخبار الكوفيين في هذه القصة ، فمدارها على حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، واختلف عليه ، فمنهم من قال : عن معاذ بن جبل ، ومنهم من قال : عن عبد الله بن زيد ، ومنهم من قال غير ذلك ، وأما طريق ولد عبد الله بن زيد فغير مستقيمة الإسناد ، كذا قال الحاكم ، وقد صحح الطريق الأولى من رواية محمد بن عبد الله بن زيد ، عن أبيه البخاري ، فيما حكاه الترمذي في العلل عنه ، وقال محمد بن يحيى الذهلي : ليس في أخبار عبد الله بن يزيد أصح من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، يعني هذا ; لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد ، وابن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله ، وقال ابن خزيمة في صحيحه : هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل ، لأن محمدا سمع من أبيه ، وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلسه ، وسيأتي الإشارة إلى طريق أخرى لحديث عبد الله بن زيد إن شاء الله من عند أبي داود .

( تنبيه ) قال الترمذي : لا نعرف لعبد الله بن زيد شيئا يصح إلا حديث الأذان ، وكذا قال البخاري . وفيه نظر ; فإن له عند النسائي وغيره حديثا غير هذا في الصدقة ، وعند أحمد آخر في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم شعره ، وأظفاره ، وإعطائه لمن لم تحصل له أضحية .

293 - ( 10 ) - حديث { بلال : أنه أمر أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة }. [ ص: 357 ] متفق عليه من حديث أنس قال : { أمر بلال أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة }. ورواه النسائي وابن حبان ، والحاكم ولفظهم : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا }. واستدل ابن حبان على صحة ذلك بما رواه أيضا فيه من القصة في أوله : أنهم التمسوا شيئا يؤذنون به علما للصلاة فأمر بلال . قال : فدل ذلك على أن الآمر له بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لا غير . وفي الباب : عن أبي محذورة رواه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة بلفظ : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة }.

( فائدة ) ورد في تثنية الإقامة أحاديث منها : ما روى الترمذي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن زيد قال : { كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا في الأذان والإقامة }وقال : منقطع . وقال الحاكم والبيهقي : الروايات عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة لأن عبد الله بن زيد استشهد يوم أحد ، ثم أسند عن الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ; قال : دخلت ابنة عبد الله بن زيد ، على عمر بن عبد العزيز فقالت : يا أمير المؤمنين أنا ابنة [ ص: 358 ] عبد الله بن زيد ، شهد أبي بدرا وقتل يوم أحد ، وفي صحة هذا نظر ; فإن عبيد الله بن عمر لم يدرك هذه القصة ، وقد روى أبو داود وغيره من طريق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن زيد ، قال : حدثني أبي . ونقل الترمذي أن البخاري صححه .

وروى الواقدي عن محمد بن عبد الله بن زيد قال : توفي أبي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ، وقال ابن سعد : شهد أحدا ، والخندق ، والمشاهد كلها ، ولو صح ما تقدم للزم أن تكون بنت عبد الله بن زيد صحابية .

وروى عبد الرزاق والدارقطني والطحاوي من حديث الأسود بن يزيد { : أن بلالا كان يثني الأذان ويثني الإقامة ، وكان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير }.

وروى الحاكم والبيهقي في الخلافيات ، والطحاوي ، من رواية سويد بن غفلة : أن بلالا كان يثني الأذان والإقامة وادعى الحاكم فيه الانقطاع ، ولكن في رواية الطحاوي : سمعت بلالا ، ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن حسين بن علي ، عن شيخ يقال : الحفص ، عن أبيه ، عن جده ، وهو سعد القرظ قال : { أذن بلال ، حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أذن لأبي بكر في حياته ، ولم يؤذن في زمان عمر } ، انتهى . وسويد بن غفلة هاجر في زمن أبي بكر ، وأما ما رواه أبو داود من طريق سعيد بن المسيب : أن بلالا أراد أن يخرج إلى الشام ، فقال له أبو بكر : بل تكون عندي ، فقال : إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني ، وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إلى الله ، فقال : اذهب ، فذهب فكان بها حتى مات ، فإنه مرسل وفي إسناده عطاء الخراساني وهو مدلس ، ويمكن التوفيق بينه وبين الأول . وروى الطبراني في [ ص: 359 ] مسند الشاميين من طريق جنادة بن أبي أمية ، { عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وكان يجعل إصبعيه في أذنيه }. إسناده ضعيف . وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة مشهور عند النسائي وغيره .

( فائدة ) أورد الرافعي حديث بلال المتقدم محتجا للقديم في إفراد كلمة الإقامة ، لكن في صحيح البخاري في هذا الحديث أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة . وفيه بحث ذكرته في المدرج ، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : { كان بلال يثني الأذان ، ويوتر الإقامة ، إلا قوله : قد قامت الصلاة }. وأخرجه أبو عوانة ، والسراج كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية