الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
622 - ( 2 ) - حديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال }. البخاري بلفظ : { حين تميل الشمس }. وعند الطبراني في الأوسط عنه : { كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نرجع فنقيل }. وفي رواية لمسلم { كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [ ص: 111 ] زالت الشمس ، ثم نرجع نتتبع الفيء }.

حديث : { صلوا كما رأيتموني أصلي }. تقدم في الأذان وغيره .

قوله : لم تقم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين إلا في موضع الإقامة ، ولم يقيموا الجمعة إلا في موضع واحد ، ولم يجمعوا إلا في المسجد الأعظم ، مع أنهم أقاموا العيد في الصحراء والبلد للضعفة ، وقبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة ، وما كانوا يصلون الجمعة ، ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها .

ذكر هذا مفرقا ، وكل هذه الأشياء المنفية مأخذها بالاستقراء ، فلم يكن بالمدينة مكان يجمع فيه إلا مسجد المدينة ، وبهذا صرح الشافعي كما سيأتي ، مع أنه قد ورد في بعض ما يخالف ذلك ، وفي بعض ما يوافقه أحاديث ضعيفة يحتج بها الخصوم ، وليست بأضعف من أحاديث كثيرة احتج بها أصحابنا ، منها حديث علي : { لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر }. ضعفه أحمد ، وحديث عبد الرحمن بن كعب في تجميع أسعد بن زرارة بهم في نقيع الخضمات سيأتي ، وحديث الترمذي من طريق رجل من أهل قباء ، عن أبيه وكان من الصحابة قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء }. فيه هذا المجهول ، ومن حديث أبي هريرة { الجمعة على من آواه الليل إلى أهله }. ضعفه أحمد والترمذي ، وله شاهد من حديث أبي قلابة مرسل رواه البيهقي ، والأحاديث التي تقدمت أول الباب فيها ما يؤخذ منه ذلك أيضا .

وروى البيهقي في المعرفة عن مغازي بن إسحاق بن عقبة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ركب من بني عمرو بن عوف في هجرته إلى المدينة ، مر على بني سالم [ ص: 112 ] وهي قرية بين قباء والمدينة ، فأدركته الجمعة فصلى فيهم الجمعة ، وكانت أول جمعة صلاها حين قدم }.

ووصله ابن سعد من طريق الواقدي بأسانيد له ، وفيه : { أنهم كانوا حينئذ مائة رجل }. وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج : { أنه صلى الله عليه وسلم جمع في سفر وخطب على قوس }. وروى عبد الرزاق أيضا أن عمر بن عبد العزيز كان متبديا بالسويداء في إمارته على الحجاز فحضرت الجمعة فهيئوا له مجلسا من البطحاء ، ثم أذن بالصلاة ، فخرج فخطب وصلى ركعتين وجهر ، وقال : إن الإمام يجمع حيث كان .

وروى البيهقي في المعرفة من طريق جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى علي بن عدي : انظر كل قرية أهل قرار ، وليسوا بأهل عمود يتنقلون ، فأمر عليهم أميرا ، ثم مره فليجمع بهم . وقال ابن المنذر في الأوسط : روينا عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه من مكة والمدينة يجمعون ، فلا يعيب ذلك عليهم ، ثم ساقه موصولا . وروى سعيد بن منصور ، عن أبي هريرة : أن عمر كتب إليهم أن جمعوا حيث ما كنتم .

قوله : قال الشافعي : ولا يجمع في مصر وإن عظم ، ولا في مساجد ، إلا في مسجد واحد ، وذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك ، انتهى . وروى ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يقول : " لا جمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام " .

وروى أبو داود في المراسيل { عن بكير بن الأشج أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وسلم ، يسمع أهلها تأذين بلال ، فيصلون في مساجدهم } ، زاد يحيى بن يحيى في روايته : { ولم يكونوا يصلون في شيء من تلك المساجد إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم }. أخرجه البيهقي في المعرفة ، ويشهد له صلاة أهل العوالي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة كما في الصحيح ، وصلاة أهل قباء معه ، كما رواه ابن ماجه [ ص: 113 ] وابن خزيمة ، وأخرج الترمذي من طريق رجل من أهل قباء ، عن أبيه ; قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء }.

وروى البيهقي : أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة . قال : ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة ، ولا في القرى التي بقربها .

( تنبيه ) : قوله الرافعي والأصحاب : إن الشافعي دخل بغداد وهي تقام بها جمعتان . مردود بأن الجامع الآخر لم يكن حينئذ داخل سورها ، فقد قال الأثرم لأحمد : أجمع جمعتين في مصر ؟ قال : لا أعلم أحدا فعله . وقال ابن المنذر : لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين ، إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة ، واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات ، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد . وذكر الخطيب في تاريخ بغداد : أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد مع قيام الجمعة القديمة ، في أيام المعتضد في دار الخلافة ، من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة ; وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم في المسجد العام ، وذلك في سنة ثمانين ومائتين ، ثم بني في أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه . وذكر ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق : أن عمر كتب إلى أبي موسى وإلى عمرو بن العاص وإلى سعد بن أبي وقاص ، أن يتخذ مسجدا جامعا ومسجدا للقبائل ، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع ، فشهدوا الجمعة . وقال ابن المنذر : لا أعلم أحدا قال بتعداد الجمعة غير عطاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية