الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    [ ص: 768 ] سياق

                    ما روي في أن القدري الذي يزعم أن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يقدرها عليهم ويكذب بخلق الله لها وينسب الفعال إلى نفسه دونه

                    1285 - أخبرنا محمد بن علي بن مهدي الأنباري قال : ثنا علي بن محمد بن هارون قال : ثنا أحمد بن شيبان قال : ثنا عبد الله بن ميمون ، عن رجاء أبي الحارث ، عن مجاهد : عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المكذبة بالقدر إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم " .

                    1286 - أخبرنا محمد بن عبد الرحمن قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : ثنا سويد بن سعيد قال : ثنا شعيب بن بكار ، [ ص: 769 ] عن مهاجر البرذعي قال : ثنا محمد بن سليمان الأزدي قال : ثنا سحيم بن العلاء العبدي ، عن الحكم بن أبان قال : ثنا عكرمة قال : كنت حاضرا عند عبد الله بن عباس فجاءه رجل فقال : يا أبا عباس أخبرني من القدرية فإن الناس قد اختلفوا عندنا بالمشرق .

                    فقال ابن عباس : القدرية قوم يكونون في آخر الزمان ، دينهم الكلام ، يقولون : إن الله لم يقدر المعاصي على خلقه ، وهو معذبهم على ما قدر عليهم ، فأولئك هم القدرية فأولئك هم مجوس هذه الأمة ، وأولئك ملعونون على لسان النبيين أجمعين ، فلا تقاولوهم فيفتنوكم ، ولا تجالسوهم ، ولا تعودوا مرضاهم ، ولا تشهدوا جنائزهم ، أولئك أتباع الدجال ، لخروج الدجال أشهى إليهم من الماء البارد .

                    فقال الرجل : يا أبا عباس ، لا تجد علي ، فإني سائل مبتلى بهم . قال : قل . قال : كيف صار في هذه الأمة مجوس وهذه الأمة مرحومة ؟ قال : أخبرك لعل الله ينفعك . قال : افعل . قال : إن المجوس زعمت أن الله لم يخلق شيئا من الهوام والقذر ، ولم يخلق شيئا يضر ، وإنما يخلق المنافع وكل شيء حسن ، وإنما القدر هو الشر ، والشر كله خلق إبليس وفعله .

                    قالت القدرية : إن الله أراد من العباد أمرا لم يكن ، وأخرجوه عن ملكه وقدرته ، وأراد إبليس من العباد أمرا وكان .

                    إبليس عند القدرية أقوى وأعز . [ ص: 770 ] فهؤلاء القدرية وكذبوا أعداء الله . إن الله يبتلي ويعذب على ما ابتلى ، وهو غير ظالم ، لا يسأل عما يفعل ، ويمن ويثيب على منه إياهم ، وهو فعال لما يريد ، ولكنهم أعداء الله ، ظنوا ظنا فحققوا ظنهم عند أنفسهم وقالوا : نحن العاملون والمثابون والمعذبون بأعمالنا ، ليس لأحد علينا منة ، وذهب عليهم أن المن من الله وأصابهم الخذلان .

                    قال سويد بن سعيد : لا إله إلا الله ما أوحشه من قول . وإن الله هو الهادي والمضل الراحم المعذب . فقال الرجل : الحمد لله الذي من بك علي يا أبا عباس وفقك الله ، نصرك الله ، أعزك الله . أما والله لقد كنت من أشدهم قولا أدين الله به ، وقد استبان لي قول الضياء ، فأنا أشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله وراجع مما كنت أقوله ، وقد أيقنت أن الخير من الله وأن المعاصي من الله يبتلي بها من يشاء من عباده ، ولا مقدر إلا الله ولا هادي ولا مضل غيره .

                    قال عكرمة : فما زال الرجل عندنا باكيا حتى خرج غازيا في البحر فاستشهد رحمه الله .

                    [ ص: 771 ] 1287 - أخبرنا عبد الله بن مسلم بن يحيى ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال : ثنا عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي قال : ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد ، عن ابن جريج ، عن عطاء : عن ابن عباس قال : كلام القدرية كفر ، وكلام الحرورية ضلالة .

                    قال ابن عباس : لا أعرف - أو لا أعلم - الحق إلا في كلام قوم ألجئوا ما غاب عنهم في الأمور إلى الله تبارك وتعالى ، وفوضوا أمورهم إلى الله ، وعلموا أن كلا بقضاء الله وقدره .

                    1288 - أخبرنا محمد بن أحمد الطوسي قال : ثنا محمد بن يعقوب قال : ثنا العباس بن الوليد قال : أخبرني أبي قال : ثنا عبد الله بن شوذب قال : حدثني أبو عمرة ، قال : أتى عبد الله بن عباس على قوم يتنازعون في القدر ، فقال : لا تختلفوا في القدر ، فإنكم لو قلتم : إن الله شاء لهم أن يعملوا بطاعته ، فخرجوا من مشيئة الله إلى مشيئة أنفسهم ، فقد أوهنتم الله بأعظم ملكه ، وإن قلتم : إن الله جبرهم على الخطايا ، ثم عذبهم عليها ، قلتم : إن الله ظلمهم .

                    1289 - أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا محمد بن سعيد العطار قال : ثنا زيد - يعني ابن الحباب - قال : ثنا شعبة ، عن أبي هارون الغنوي ، عن أبي يحيى ، أنه سمع سليمان - أو أبا سليمان شك شعبة - قال : ذكر ابن عباس [ ص: 772 ] القدر ، فقال : الزنى بقدر ، وشرب الخمر ، والسرقة بقدر .

                    1290 - أخبرنا القاسم بن جعفر ، أخبرنا الحسين بن يحيى قال : ثنا حفص بن عمرو قال : ثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال : ثنا شعبة قال : حدثني أبو حمزة ، قال : سمعت ابن عباس ، يقول : الزنى بقدر .

                    1291 - أخبرنا الحسن بن عثمان قال : أخبرنا أحمد بن حمدان قال : ثنا بشر قال معاوية قال : ثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي أنه بلغه : عن ابن عباس أنه ذكر عنده قولهم في القدر ، فقال : ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قد قدر شرا .

                    1292 - أخبرنا الحسن بن القاسم بن العلاء قال : ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل قال : ثنا علي بن مسلم قال : ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عمر بن محمد ، عن نافع : عن عبد الله بن عمر ، قال له رجل : يا أبا عبد الرحمن إن قوما يتكلمون في القدر بشيء .

                    فقال : أولئك يصيرون إلى أن يكونوا مجوس هذه الأمة . فمن زعم أن مع الله قاضيا ، أو قادرا ، أو رازقا ، أو يملك لنفسه خيرا ، أو نفعا ، أو موتا ، أو حياة ، أو نشورا لعنه الله ، وأخرس لسانه ، وأعمى بصره ، [ ص: 773 ] وجعل صلاته وصيامه هباء منثورا ، وقطع به الأسباب وكبه على وجهه في النار .

                    1293 - أخبرنا القاسم بن جعفر ، أخبرنا الحسين بن يحيى قال : ثنا حفص بن عمرو قال : ثنا عاصم بن سليمان قال : ثنا عبيد الله ، عن نافع ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر : فقال يا أبا عبد الرحمن الزنى بقدر ؟ قال : نعم . قال : قدره الله علي ، ثم يعذبني ؟ قال : نعم يا ابن اللخناء ، لو كان عندي إنسان لأمرته أن يجأ بأنفك .

                    1294 - أخبرنا محمد بن الحسين بن يعقوب قال : ثنا محمد بن عبد الله بن عتاب ، قال يحيى بن جعفر قال : ثنا أبو عامر العقدي قال : ثنا سفيان الثوري قال : حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : كنت جالسا عند سالم ، فسأله رجل ، فقال : يا أبا عمر ، الزنى بقدر ؟ قال : نعم . قال : كتبه الله علي ؟ قال : نعم . قال : كتبه الله علي ويعذب به ؟ [ ص: 774 ] قال : فأخذ الحصا وضرب به وجهه .

                    1295 - أخبرنا عبد الرحمن بن عمر - إجازة - قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال : ثنا جدي يعقوب قال : حدثني علي بن أبي هاشم قال : ثنا إسماعيل ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب عن القدر ، فقال : ما قدر فقد قدر ، وما لم يقدر فلم يقدر .

                    1296 - وقال قتادة : الأشياء كلها بقدر إلا المعاصي .

                    1297 - أخبرنا الحسن بن عثمان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد قال : ثنا عبد الله بن روح قال : ثنا شبابة قال : ثنا الحكم بن عمر ، قال : أرسلني خالد بن عبد الله إلى قتادة وهو بالجيزة أسأله عن مسائل ، فكان فيما سألت ، قلت : أخبرني عن قول الله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) هم مشركو العرب ؟ قال : لا ، ولكنهم الزنادقة المباينة الذين جعلوا لله شركاء في خلقه ، فقالوا : إن الله يخلق الخير ، وإن الشيطان يخلق الشر ، وليس لله على الشيطان قدرة .

                    1298 - أخبرنا أحمد بن عبيد قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن زهير قال : ثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال : ثنا عكرمة بن عمار قال : [ ص: 775 ] سألت يحيى بن أبي كثير من القدرية ؟ فقال : الذين يقولون : إن الله لم يقدر المعاصي .

                    1299 - أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قال : ثنا عثمان بن أحمد قال : ثنا حنبل قال : سمعت أبا عبد الله يقول : علم الله تعالى في العباد قبل أن يخلقهم سابق ، وقدرته ومشيئته في العباد .

                    قال : قد خلق الله آدم وعلم منه قبل أن يخلقه ، وكذا علمه سابق محيط بأفاعيل العباد وكل ما هم عاملون .

                    1300 - ذكر عبد العزيز بن جعفر قال : ثنا أحمد بن محمد قال : ثنا محمد بن عبد الصمد قال : ثنا عمرو بن عثمان قال : ثنا بقية ، قال : سألت الأوزاعي والزبيدي عن الجبر . فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يقهر ، ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب .

                    وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلا من القرآن والسنة ، فأهاب أن أقول ذلك ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل ، فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . إنما وصفت هذا مخافة أن يرتاب رجل من أهل الجماعة والتصديق .

                    1301 - وجدت بخط أبي أحمد عبيد الله بن محمد الفرضي [ ص: 776 ] - وقد أجاز لي الرواية - عنه قال : قرأت على أبي بكر الأبهري كتاب " شرح ابن عبد الحكم " .

                    عن مالك أنه قال في القدرية : يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا . فقلت له : من القدرية عند مالك الذين قال فيهم هذا ؟ فقال : روى ابن وهب عنه أنه قال : الذين يقولون : إن الله لم يخلق المعاصي . وروى عنه عبد الرزاق أنهم الذين يقولون : إن الله لا يعلم الشيء قبل كونه .

                    1302 - أخبرنا الحسين بن أحمد بن إبراهيم الطبري قال : أخبرنا إبراهيم بن أحمد الميلي قال : ثنا محمد بن يحيى بن آدم قال : سمعت المزني يقول : قال الشافعي : تدري من القدري ؟ القدري الذي يقول : إن الله لم يخلق الشيء حتى عمل به .

                    قال المزني ، والشافعي بكفره .

                    1303 - وأخبرنا الحسين بن أحمد قال : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم بن أحمد الجرجاني - من حفظه - ببغداد قال : سمعت محمد بن يعقوب قال : سمعت الربيع يقول : أنشدني الشافعي \ح\ :

                    1304 - وأخبرني علي بن أحمد بن حفص المقري قال : ثنا محمد بن العباس بن الفضل قال : ثنا عمران بن موسى قال : حدثني [ ص: 777 ] الربيع بن سليمان قال : كنت جالسا عند الشافعي وذكر القدر ، فأنشأ يقول :

                    ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن .     خلقت العباد على ما علم
                    ت ففي العلم يجري الفتى والمسن .     على ذا مننت وهذا خذل
                    ت وهذا أعنت وذا لم تعن .     فمنهم شقي ومنهم سعيد
                    ومنهم قبيح ومنهم حسن

                    .

                    1305 - أخبرنا الحسين بن أحمد الطبري قال : روى أبو بكر محمد بن هارون الروياني ، عن الربيع : عن الشافعي أنه قال : لو حلف رجل فقال : والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء الله ، وإلا أن يقدر الله ، فأراد به القدر إلا أن يشاء الله أو إلا أن يقدر الله فأراد به القدر ، فلا شيء عليه .

                    1306 - وأخبرنا الحسين بن أحمد قال : أخبرنا علي بن مهدي - إجازة - قال : ثنا محمد بن هارون بن حفص قال : ثنا عصام بن منصور الرازي يقول : سألت المزني عن معنى حديث ابن مسعود عندما قال : إن يكن صوابا من الله ، وإن يكن خطأ مني ومن الشيطان .

                    قال المزني : يحتمل عندي أن ذلك من محبته ؛ لأنه عدو الله يحب الخطأ ويكره الصواب ، فأضاف إلى الشيطان ؛ لأن الشيطان كان له في تلك صنع .

                    وقد قال الله - عز وجل - : ( لا تعبدوا الشيطان ) لا أنهم قصدوه بالعبادة ، ولكن لما عملوا بالمعاصي التي نهاهم الله عنها ، جعل ذلك عبادة [ ص: 778 ] للشيطان ؛ لأن ذلك من شأنه ، فأضاف ذلك إليه لا أنهم قصدوا عبادته ولا إجلاله ولا إعظامه ، وقال الله - عز وجل - : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) .

                    قال في التفسير : لم يعبدوهم ولكنهم كانوا إذا حرموا شيئا حرموه ، وإذا أحلوا أحلوه لا أنهم اتخذوهم أربابا ، ولكن أطاعوهم فسموا بذلك .

                    وقال صاحب الخضر : ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) .

                    قال : ( وأضلهم السامري ) .

                    وقال : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) .

                    وقال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) .

                    فالله الخالق لكل ذلك ، وإن أضيفت الأسباب إلى من يدعو إليها ، والله الخالق لا غير الله ، وأفعال العباد مخلوقة لا يقدر أحد أن يشاء شيئا إلا أن يشاء الله ، وقال : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

                    [ ص: 779 ] 1307 - أخبرنا الحسين بن أحمد الطبري قال : أخبرنا ابن مهدي - إجازة - قال : ثنا ابن هارون قال : سمعت عصام بن الفضل : سمعت المزني يقول : سألت الشافعي عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ستة لعنهم الله ... " فذكر المكذب بالقدر ، فقلت له : من القدرية ؟ فقال : نعم ، هم الذين زعموا أن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون . قال المزني : هذا عندي كفر .

                    قول عبد الله بن مسعود وأتباع أبي حنيفة ومحمد بن الحسن له : 1308 - أخبرنا عبد الوهاب بن نصر ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن بهلول النسائي قال : ثنا أبو البريك قال : ثنا عمران بن بكار قال : ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال : ثنا محمد بن الحسن ، ثنا أبو حنيفة ، ثنا يزيد بن عبد الرحمن ، عن أبي وائلة - أو ابن وائلة - يشك محمد بن الحسن : عن عبد الله بن مسعود قال : تكون النطفة في الرحم أربعين يوما ، ثم تكون علقة أربعين يوما ، ثم تكون مضغة أربعين يوما ، ثم يعطي خلقه ، فيقول : رب ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ ما رزقه ؟ قال محمد بن الحسن : وبهذا نأخذ وبه كان يأخذ أبو حنيفة : [ ص: 780 ] الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من وعظ بغيره .

                    1309 - وقال أحمد بن يحيى بن ثعلب : القدرية من يزعم أنه يقدر ، ونحن نقول : لا نقدر إلا بقدر الله وبعون الله وتوفيق الله ، وإن لم يفعل ذلك بنا لم نقدر ، فكيف يكون القدري من زعم أنه لا يقدر ؟ هذا محال ضد .

                    قال : ولا أعلم عربيا قدريا . فقيل له : يقع في قلوب العرب القدر ؟ قال : معاذ الله ما في العرب إلا مثبت القدر خيره وشره أهل الجاهلية والإسلام ، ذلك في أشعارهم وكلامهم كثير بين ، ثم أنشد :

                    تجري المقادير على غرز الإبر     فما تنفذ الإبرة إلا بقدر

                    . قال : وأنشد لامرئ القيس :

                    إن الشقاء على الأشقين مكتوب

                    ... ... ... قال الشيخ أبو القاسم الحافظ : وقال ذو الإصبع العدواني :

                    وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض     إذا يقضى أمر إخاله يقضى ولا يقضي

                    . وقال لبيد :

                    إن تقوى ربنا خير نفل     وبإذن الله ريثي وعجل
                    . من هداه سبل الخير اهتدى     ناعم البال ، ومن شاء أضل
                    . أحمد الله ولا ند له     بيده الخير ما شاء فعل .


                    وقال بعض رجاز الجاهلية :

                    هي المقادير فلمني أو فذر     إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر

                    .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية