الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 857 ] فصل - فيما ورد في الجنة والنار


      والنار والجنة حق وهما موجودتان لا فناء لهما



      أي ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجنة والنار ، والبحث فيه ينحصر في ثلاثة أمور :

      الأول : كونهما حقا لا ريب فيهما ولا شك ، وأن النار دار أعداء الله ، والجنة دار أوليائه .

      وهذا هو المشار إليه بقولنا حق ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( التحريم : 6 - 8 ) الآيات .

      وقال تعالى : ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( البقرة : 25 ) الآية . وقال تعالى : ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) ( آل عمران : 131 - 133 ) الآيات . وقال تعالى : ( وكفى بجهنم سعيرا إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ) [ ص: 858 ] ( النساء : 55 - 57 ) وقال تعالى : ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) ( يونس : 7 - 8 )

      وقال تعالى في أولياء الشيطان : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ) ( النساء : 120 - 122 ) . وقال تعالى لإبليس : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ) ( الحجر : 42 - 46 ) الآيات . وغيرها كثيرة في القرآن شهيرة كلما يذكر الجنة عطف عليها بذكر النار وكلما يذكر أهل النار عطف عليهم بذكر أهل الجنة ، فتارة يعد ويتوعد وتارة يخبر عما أعد في الجنة من النعيم المقيم لأوليائه ، ويخبر عما أرصد في النار من العذاب الأليم لأعدائه وغير ذلك ، فمن رام استقصاءه فليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته بتدبر وقلب شهيد والله الموفق .

      وقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة بن أبي أمية عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الجنة على ما كان من العمل " زاد في رواية " من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء " ووافقه على إخراجه مسلم وغيره .

      [ ص: 859 ] ولهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : " اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق . اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت - أو لا إله غيرك - " زاد في رواية " ولا حول ولا قوة إلا بالله " هذا لفظ البخاري في باب التهجد .

      وقد روياه من طرق كثيرة بألفاظ متقاربة ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الشهادة بحقية الجنة والنار مع الشهادة بحقية الله وحقية رسله عليهم السلام وحقية وعده الصادق وهما - أي الجنة والنار - من وعده الصادق الذي أقسم على صدقه وحقيته ووقوعه في غير ما موضع من كتابه وفي حديث عبادة هذا أنه صلى الله عليه وسلم علق دخول الجنة والنجاة من النار بالتصديق بهما والشهادة بذلك ، ولهذا يقول الله عز وجل يوم القيامة لأهل النار : ( هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ) ( يس : 63 - 64 ) وقال تعالى : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا ) ( الطور : 13 - 15 ) الآيات وغيرها . وتقدم في بعض ألفاظ حديث جبريل من رواية ابن عباس عند أحمد " قال : فحدثني ما الإيمان ؟ قال الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وتؤمن بالموت وبالحياة بعد الموت وتؤمن بالجنة والنار والحساب والميزان " الحديث ، وغير ذلك من الأحاديث .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية