الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      القول في كلمة الشهادة


      وبعد إني باليقين أشهد شهادة الإخلاص أن لا يعبد     بالحق مألوه سوى الرحمن
      من جل عن عيب وعن نقصان

      .

      ( وبعد ) هو ظرف زماني يؤتى به للتنبيه على ما بعده وفصله عما قبله ، ويبنى على الضم لقطعه عن الإضافة ، ويغني عن إعادة المضاف إليه ، ( إني باليقين ) القاطع الجازم بدون شك ولا تردد ، ( أشهد شهادة ) مصدر مؤكد ( الإخلاص ) مضاف إلى ( شهادة ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، ( أن ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن مستكن والتقدير أنه ، والخبر ( لا يعبد ) بضم الياء وفتح الباء بالبناء للمفعول ( بالحق ) يتعلق بـ ( يعبد ) ، ( مألوه ) نائب الفاعل لـ ( يعبد ) ، ومعناه معبود ، ( سوى ) أداة استثناء بمعنى إلا ( الرحمن ) أي لا معبود بحق إلا الله عز وجل ، والتقييد بحق يخرج به الآلهة المعبودة بباطل ، فإنها قد عبدت ، والمنفي هو استحقاق العبادة عن غير الله - عز وجل - لا وقوعها ، وهذه هي شهادة أن لا إله إلا الله ، ولما لم يمكن في النظم الإتيان بلفظها نظمتها بمعناها ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - بسط القول في تفسيرها .

      [ ص: 74 ] ( من جل ) في صفات كماله ونعوت جلاله ( عن عيب وعن نقصان ) ، وهما لفظان مترادفان ، فكل عيب يسمى نقصانا ، وكل نقصان يسمى عيبا ، والله - سبحانه وتعالى - منزه عن ذلك كله ، بل له الجلال المطلق والكمال المطلق في ذاته وأسمائه ، وصفاته وأفعاله .


      وأن خير خلقه محمدا     من جاءنا بالبينات والهدى
      رسوله إلى جميع الخلق     بالنور والهدى ودين الحق

      .

      ( و ) أشهد ( أن خير ) أفضل ( خلقه ) هاء الضمير يعود على الرحمن ، ( محمدا ) بدل من ( خير ) أو عطف بيان ، ومعناه الكثير المحامد ، فهو أبلغ من محمود . ( من جاءنا بالبينات والهدى ) من عند الله عز وجل ، هذه الجملة صلة ( من ) ، وهو محله النصب نعت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - والخبر ( رسوله ) ، الرسول بمعنى المرسل ، وهو من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ، فإن أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ ، فهو نبي فقط ، فكل رسول نبي ولا عكس ، ( إلى جميع الخلق ) كافة ، قال الله عز وجل : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، ( سبأ : 28 ) ، وقال تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ، ( الأعراف : 158 ) .

      وفي الصحيح من حديث الخصائص : وكان الرسول يبعث في قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة . وفيه أيضا : والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار . ( بالنور ) المبين ، وهو القرآن الذي قال الله [ ص: 75 ] - عز وجل - فيه : ( ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) ، ( النساء : 174 ) ، وقال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ، ( الشورى : 52 ) الآية ، وقال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) ، ( التغابن : 8 ) ، وغير ذلك من الآيات ، ( والهدى ) الإرشاد والدلالة إلى الصراط المستقيم ، ( ودين الحق ) الإسلام الذي لا يقبل الله - تعالى - من أحد غيره ، قال الله عز وجل : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ، ( الصف : 9 ) ، وكل من القرآن والرسول والإسلام يسمى نورا وهدى وصراطا مستقيما . وكل الثلاثة متلازمة ، تقول أرسل الله - عز وجل - رسوله ، وأنزل عليه كتابه بدين الإسلام ، وتقول : دين الإسلام هو الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه ، وكل منها نور مبين ، وهدى مستبين ، وصراط مستقيم .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية