الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ذكر ما جاء من الأحاديث في ذم القدرية .

      تقدم في الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي هريرة أن هذه الآية ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 47 - 49 ) أنها نزلت في المخاصمين في القدر . وتقدم فيهم أحاديث الصحابة من روايتهم سؤال جبريل عن الدين وغير ذلك من الأحاديث التي سقناها متفرقة في مواضع من هذا المجموع .

      وقال أبو داود - رحمه الله تعالى : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني بمنى ، عن أبيه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم . ورواه الإمام أحمد عنه بلفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لكل أمة [ ص: 956 ] مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر ، إن مرضوا فلا تعودوهم . . . الخ . وفي رواية : إن لكل أمة مجوسا ، وإن مجوس أمتي المكذبون بالقدر . . . الخ . وله عنه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سيكون في هذه الأمة مسخ ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية . وله عن نافع قال : كان لابن عمر - رضي الله عنهما - صديق من أهل الشام يكاتبه ، فكتب إليه مرة عبد الله بن عمر : إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ، فإياك أن تكتب إلي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر .

      وللترمذي ، عن نافع ، عنه - رضي الله عنه : جاءه رجل فقال : إن فلانا يقرأ عليك السلام ، فقال : إنه بلغني أنه قد أحدث ، فإن كان قد أحدث ، فلا تقرئه مني السلام ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 957 ] يقول : في هذه الأمة ، أو في أمتي - الشك منه - خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر . هذا الحديث حسن صحيح غريب .

      وقال أبو داود - رحمه الله - أيضا : حدثنا محمد بن أبي كثير ، أخبرنا سفيان ، عن عمر بن محمد ، عن عمر مولى غفرة ، عن رجل من الأنصار ، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لكل أمة مجوسا ، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ، ومن مرض منهم فلا تعودوهم ، وهم شيعة الدجال ، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري أبو عبد الرحمن قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني عطاء بن دينار ، عن حكيم بن شريك الهذلي ، عن يحيى بن ميمون الحضرمي ، عن ربيعة الحرشي ، عن أبي هريرة ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم . صحيح .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن وهب بن خالد الحمصي ، عن ابن الديلمي قال : أتيت أبي بن كعب ، فقلت له : وقع في نفسي شيء من القدر ، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي ، فقال : لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالمهم ، ولو رحمهم ، كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر ، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، ولو مت على غير هذا لدخلت النار . قال : ثم أتيت [ ص: 958 ] عبد الله بن مسعود ، فقال مثل ذلك . قال : ثم أتيت حذيفة بن اليمان ، فقال مثل ذلك . قال : ثم أتيت زيد بن ثابت ، فحدثني ، عن النبي مثل ذلك . وتقدم ذكر وصية عبادة لابنه في ذلك .

      وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، أخبرنا محمد بن فضيل ، عن القاسم بن حبيب وعلي بن نزار ، عن نزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة ، والقدرية . هذا حديث حسن غريب .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا أبو داود ، أنبأنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر .

      وقال - رحمه الله تعالى : باب ما جاء من التشديد في الخوض في القدر . ، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، أنبأنا صالح المري ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - [ ص: 959 ] ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمر وجهه ، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان ، فقال : أبهذا أمرتم ، أم بهذا أرسلت إليكم ؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه .

      ولأحمد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، والناس يتكلمون في القدر ، قال وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، قال فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم . قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده . ورواه ابن ماجه ولأحمد ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا مكذب بقدر .

      وله عن محمد بن عبيد المكي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قيل لابن عباس - رضي الله عنهما : إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر ، فقال : دلوني عليه ، وهو يومئذ قد عمي . قالوا : وما تصنع به يا أبا عباس ؟ قال : والذي نفسي بيده ، لئن استمكنت منه ، لأعضن أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته في يدي ، لأدقنها ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك هذه الأمة ، والذي نفسي بيده ، لينتهين بهم سوء رأيهم [ ص: 960 ] حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا .

      وروى البزار ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : ما نزلت هذه الآيات ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 47 - 49 ) إلا في أهل القدر .

      ولابن أبي حاتم ، عن ابن زرارة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا هذه الآية ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 48 - 49 ) قال : نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله .

      وروى الحسن بن عرفة ، عن عطاء بن أبي رباح قال : أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم ، وقد ابتلت أسافل ثيابه ، فقلت له : تكلم في القدر . فقال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم . قال : فوالله ، ما نزلت هذه الآية إلا فيهم ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 48 - 49 ) أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا على موتاهم ، إن رأيت أحدا منهم ، فقأت عينيه بأصبعي هاتين .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية