الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( الفصل الثالث ) : في عظم إثم من أحدث في الدين ما ليس منه .

      قال تبارك وتعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ( النحل 25 ) وقال تبارك وتعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ( العنكبوت 13 ) .

      وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ; لأنه أول من سن القتل .

      ولأحمد ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة ضلال فاتبع عليها ، كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من مثل أوزارهم شيء ، ومن سن سنة هدى فاتبع عليها ، كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء .

      ولأحمد بإسناد جيد عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث [ ص: 1223 ] الثمالي - رضي الله عنه - قال : بعث إلي عبد الملك بن مروان ، فقال : يا أبا أسماء ، إنا قد جمعنا الناس على أمرين . قال : وما هما ؟ قال : ترفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد الصبح والعصر . فقال : أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ، ولست مجيبك إلى شيء منهما . قال : لم ؟ قال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة .

      وفي حديث الحوض عن جماعة من الصحابة ، تقدم أكثرهم قال : ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني ، حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم ، اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . وفي بعضها زيادة : فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي .

      وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ( آل عمران 7 ) قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم .

      وعن جرير بن عبد الله قال : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف ، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة ، فحث الناس على الصدقة ، فأبطأوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه ، قال : ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق ، ثم جاء آخر ، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه ، فقال [ ص: 1224 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ، ولا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، فعمل بها بعده ، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ، ولا ينقص من أوزارهم شيء .

      ورواه الترمذي بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة خير فاتبع عليها ، فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئا ، ومن سن سنة شر فاتبع عليها ، كان عليه وزرها ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا .

      وله عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث : اعلم . قال : أعلم يا رسول الله ، قال : إنه من أحيا سنة من سنتي ، قد أميتت بعدي ، كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله ، كان عليه مثل آثام من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا . قال : هذا حديث حسن .

      والأحاديث في هذا كثيرة ، وفي هذا كفاية .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية