الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ذكر أقوال التابعين - رحمهم الله تعالى - ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة في صفة العلو .

      عن كعب الأحبار - رضي الله عنه - قال : قال الله - عز وجل - في التوراة : أنا الله [ ص: 180 ] فوق عبادي ، وفوق جميع خلقي ، وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي ، ولا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض . قال الذهبي : رواته ثقات . وعنه - رحمه الله - قال : إن الله - تعالى - خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، ثم جعل بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض ، وجعل كثفها مثل ذلك ، ثم رفع العرش فاستوى عليه . وذكر الأثر .

      رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة ، قال الذهبي : إسناده نظيف ، وأبو صالح لينوه ، وما هو بمتهم بل سيئ الإتقان .

      وعن مسروق - رحمه الله تعالى - أنه كان إذا حدث عن عائشة - رضي الله عنهما - قال : حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة الله ، المبرأة من فوق سبع سماوات . قال الذهبي : إسناده صحيح .

      ويروى عن عطاء بن يسار - رحمه الله - أن موسى - عليه السلام - قال : يا رب ، من أهلك الذين هم أهلك ، الذين تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : هم الذين يأوون إلى مساجدي ، كما تأوي النسور إلى أوكارها . وعن عبيد بن عمير قال : ينزل الرب - عز وجل - شطر الليل إلى سماء الدنيا ، فيقول : من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل . أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في رده على الجهمية ، وعن شريح بن عبيد الله أنه كان يقول : ارتفع إليك ثغاء التسبيح ، وصعد إليك وقار التقديس ، سبحانك ذا الجبروت ، بيدك الملك والملكوت ، والمفاتيح والمقادير . إسناده صحيح .

      وعن أبي قلابة - رحمه الله تعالى - قال : أهبط الله - تعالى - آدم . قال : يا آدم ، إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند [ ص: 181 ] عرشي . وذكر الأثر .

      قال الذهبي : هو ثابت عن أبي قلابة . وعن عمرو بن ميمون قال : لما تعجل موسى إلى ربه ، رأى في ظل العرش رجلا يغبطه ، فسأل الله - تعالى - أن يخبره باسمه ، فقال : لا ، ولكني أحدثك بشيء من فعله ، كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يعق والديه ، ولا يمشي بالنميمة . قال الذهبي : إسناده قوي .

      وعن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال : ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة . وعنه - رحمه الله تعالى - في قوله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال : يجلسه أو يقعده على العرش . قال الذهبي : لهذا القول طرق خمسة . وأخرجه ابن جرير في تفسيره ، وعمل فيه المروزي مصنفا .

      وعن نوف البكالي أن موسى - عليه السلام - لما سمع الكلام ، قال : من أنت الذي يكلمني ؟ قال : أنا ربك الأعلى . قال الذهبي : إسناده صحيح . وعنه قال : إني أجد في التوراة لو أن السماوات والأرض كن طبقا من حديد ، فقال رجل لا إله إلا الله ، لخرقتهن حتى تنتهي إلى الله عز وجل . رواه حماد بن سلمة .

      وعن أبي عيسى يحيى بن رافع - رحمه الله تعالى - أن ملكا لما استوى الرب على كرسيه ، سجد ، فلا يرفع رأسه حتى تقوم الساعة ، فيقول : لم أعبدك حق عبادتك . وعن قتادة - رحمه الله تعالى - قال : [ ص: 182 ] قالت بنو إسرائيل : يا رب ، أنت في السماء ، ونحن في الأرض ، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك ؟ قال : إذا رضيت عنكم ، استعملت عليكم خياركم ، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم . قال الذهبي : هذا ثابت عن قتادة .

      وعن عكرمة - رحمه الله تعالى - قال : بينما رجل في الجنة اشتهى الزرع ، فيقول للملائكة : ابذروا ، فيخرج أمثال الجبال ، فيقول الرب - عز وجل - من فوق عرشه : كل يا ابن آدم ، فإن ابن آدم لا يشبع . قال الذهبي : إسناده ليس بذاك .

      وصح في السنة للالكائي ، عن ثابت البناني قال : كان داود - عليه السلام - يطيل الصلاة ، ثم يرفع رأسه إلى السماء ، ثم يقول : إليك رفعت رأسي نظر العبيد إلى أربابها ، يا ساكن السماء . وفي الحلية بإسناد صحيح ، عن مالك بن دينار أنه كان يقول : خذوا ، فيقرأ ثم يقول : اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه . وعن مجاهد في قوله تعالى : ( وقربناه نجيا ) قال : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم ، قال : رب أرني أنظر إليك . هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير ، أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات .

      وعن سفيان قال : كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فسأله رجل فقال : ( الرحمن على العرش استوى ) ، كيف استوى ؟ فقال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق .

      وعن حسان بن عطية قال : حملة [ ص: 183 ] العرش أقدامهم ثابتة في الأرض السابعة ، ورءوسهم قد جاوزت السماء السابعة ، وقرونهم مثل طولهم ، عليها العرش . وذكر أيوب السختياني المعتزلة ، وقال : إنما مدار القوم على أن يقولوا : ليس في السماء شيء . قال الذهبي : هذا إسناد كالشمس وضوحا ، وكالإسطوانة ثبوتا عن سيد أهل البصرة وعالمهم رحمه الله تعالى .

      وقرأ ابن محيصين رفيق ابن كثير بمكة ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ، وعن الضحاك في قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) قال : هو على عرشه ، وعلمه معهم أينما كانوا . وفي لفظ : هو فوق العرش ، وعلمه معهم أينما كانوا . أخرجه العسال وابن بطة ، وابن عبد البر بإسناد جيد .

      وعن سليمان التيمي - رحمه الله تعالى - قال : لو سئلت أين الله ؟ لقلت : في السماء . وعن حبيب بن أبي حبيب قال : شهدت خالد بن عبد الله القسري ، وخطبهم بواسط ، فقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ، ثم نزل فذبحه .

      [ ص: 184 ] قال الذهبي : والمعتزلة تقول هذا ، وتحرف نص التنزيل في ذلك ، وزعموا أن الرب منزه عن ذلك . وقال أبو عمر بن عبد البر - رحمه الله - في التمهيد : وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل ، قالوا في تأويل قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) : هو على العرش ، وعلمه في كل مكان ، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية