الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( فصل : وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ، وأجمع عليه سلف [ ص: 227 ] الأمة ؛ من أنه سبحانه فوق سماواته ، على عرشه ، علي على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا ، يعلم ما هم عاملون ؛ كما جمع بين ذلك في قوله : هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير .

      وليس معنى قوله : ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق ؛ فإن هذا لا توجبه ، اللغة ، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته ، وهو موضوع في السماء ، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان .

      وهو سبحانه فوق عرشه ، رقيب على خلقه ، مهيمن عليهم ، مطلع عليهم . . إلى غير ذلك من معاني ربوبيته .

      [ ص: 228 ] وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته ، لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ؛ مثل أن يظن أن ظاهر قوله : ( في السماء ) ؛ أن السماء تظله أو تقله ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ؛ فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض ، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان . . ) إلخ .

      صرح المؤلف هنا بمسألة علو الله تعالى واستوائه على عرشه بائنا من خلقه ؛ كما أخبر الله عن ذلك في كتابه ، وكما تواتر الخبر بذلك عن رسوله ، وكما أجمع عليه سلف الأمة الذين هم أكملها علما وإيمانا ، مؤكدا بذلك ما سبق أن ذكره في هذا الصدد ، ومشددا النكير على من أنكر ذلك منالجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة .

      ثم بين أن استواءه على عرشه لا ينافي معيته وقربه من خلقه ؛ فإن المعية ليس معناها الاختلاط والمجاورة الحسية .

      وضرب لذلك مثلا بالقمر الذي هو موضوع في السماء ، وهو مع المسافر وغيره أينما كان ؛ بظهوره واتصال نوره ، فإذا جاز هذا بالنسبة للقمر ، وهو من أصغر مخلوقات الله ؛ أفلا يجوز بالنسبة إلى اللطيف الخبير الذي أحاط بعباده علما وقدرة ، والذي هو شهيد مطلع عليهم ، يسمعهم ، ويراهم ، ويعلم سرهم ونجواهم ، بل العالم كله سماواته وأرضه من العرش [ ص: 229 ] إلى الفرش كله بين يديه سبحانه ؛ كأنه بندقة في يد أحدنا ؛ أفلا يجوز لمن هذا شأنه أن يقال : إنه مع خلقه مع كونه عاليا عليهم بائنا منهم فوق عرشه ؟ ! بلى ؛ يجب الإيمان بكل من علوه تعالى ومعيته ، واعتقاده أن ذلك كله حق على حقيقته ، من غير أن يساء فهم ذلك ، أو يحمل على معان فاسدة ؛ كأن يفهم من قوله : ( وهو معكم ) معية الاختلاط والامتزاج ؛ كما يزعمه الحلولية ! أو يفهم من قوله : ( في السماء ) أن السماء ظرف حاو له محيط به ! كيف وقد وسع كرسيه السماوات والأرض جميعا ؟ ! وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ؟ ! فسبحان من لا يبلغه وهم الواهمين ، ولا تدركه أفهام العالمين .




      الخدمات العلمية