الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات :

      أما الشفاعة الأولى : فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء ؛ آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه .

      وأما الشفاعة الثانية : فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة .

      وهاتان الشفاعتان خاصتان له .

      وأما الشفاعة الثالثة : فيشفع فيمن استحق النار ، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها ، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها .

      ويخرج الله من النار أقواما بغير شفاعة ؛ بل بفضله ورحمته ، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا ، فينشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة ) .

      [ ص: 248 ]

      التالي السابق


      [ ص: 248 ] ش وأما قوله : ( وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات ) ؛ فأصل الشفاعة من قولنا : شفع كذا بكذا إذا ضمه إليه ، وسمي الشافع شافعا لأنه يضم طلبه ورجاءه إلى طلب المشفوع له .

      والشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة ، وأحاديثها متواترة ؛ قال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه فنفي الشفاعة بلا إذن إثبات للشفاعة من بعد الإذن .

      قال تعالى عن الملائكة : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى .

      فبين الله الشفاعة الصحيحة ، وهي التي تكون بإذنه ، ولمن يرتضي قوله وعمله .

      وأما ما يتمسك به الخوارج والمعتزلة في نفي الشفاعة من مثل قوله تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين ، ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ، فما لنا من شافعين . . إلخ ؛ فإن الشفاعة المنفية هنا هي الشفاعة في أهل الشرك ، وكذلك الشفاعة [ ص: 249 ] الشركية التي يثبتها المشركون لأصنامهم ، ويثبتها النصارى للمسيح والرهبان ، وهي التي تكون بغير إذن الله ورضاه .

      وأما قوله : ( أما الشفاعة الأولى ؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم ) ؛ فهذه هي الشفاعة العظمى ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه به النبيون ، والذي وعده الله أن يبعثه إياه بقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .

      يعني : يحمده عليه أهل الموقف جميعا .

      وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم إذا سمعنا النداء أن نقول بعد الصلاة عليه : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته .

      وأما قوله : ( وأما الشفاعة الثانية ؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ) ؛ يعني : أنهم وقد استحقوا دخول الجنة لا يؤذن لهم بدخولها إلا بعد شفاعته .

      [ ص: 250 ] وأما قوله : ( وهاتان الشفاعتان خاصتان له ) ؛ يعني : الشفاعة في أهل الموقف ، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوها .

      وتنضم إليهما ثالثة ، وهي شفاعته في تخفيف العذاب عن بعض المشركين ؛ كما في شفاعته لعمه أبي طالب ، فيكون في ضحضاح من نار ؛ كما ورد بذلك الحديث .

      وأما قوله : ( وأما الشفاعة الثالثة ؛ فيشفع فيمن استحق النار . . ) إلخ .

      وهذه هي الشفاعة التي ينكرها الخوارج والمعتزلة ؛ فإن مذهبهم أن من استحق النار ؛ لا بد أن يدخلها ، ومن دخلها لا يخرج منها لا بشفاعة ولا بغيرها .

      والأحاديث المستفيضة المتواترة ترد على زعمهم وتبطله .




      الخدمات العلمية