الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم .

      وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .

      [ ص: 283 ] ويمسكون عما شجر بين الصحابة ، ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون .

      وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة .

      ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر ، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .

      وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون ، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم .

      ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب ؛ فيكون قد تاب منه ، أو أتى بحسنات تمحوه ، أو غفر له ؛ بفضل سابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه .

      فإذا كان هذا في الذنوب المحققة ؛ فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين : إن أصابوا ؛ فلهم أجران ، وإن أخطئوا ؛ فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور .

      [ ص: 284 ] ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم ؛ من الإيمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيله ، والهجرة ، والنصرة ، والعلم النافع ، والعمل الصالح .

      ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما من الله عليهم به من الفضائل ؛ علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله ) .

      التالي السابق


      ش يريد أن أهل السنة والجماعة يتبرءون من طريقة الروافض التي هي الغلو في علي وأهل بيته ، وبغض من عداه من كبار الصحابة ، وسبهم ، وتكفيرهم .

      وأول من سماهم بذلك زيد بن علي رحمه الله لأنهم لما طلبوا منه أن يتبرأ من إمامة الشيخين أبي بكر وعمر ليبايعوه أبى ذلك ، فتفرقوا عنه ، فقال : ( رفضتموني ) ، فمن يومئذ قيل لهم : رافضة .

      وهم فرق كثيرة : منهم الغالية ، ومنهم دون ذلك .

      ويتبرءون كذلك من طريقة النواصب الذين ناصبوا أهل بيت النبوة العداء لأسباب وأمور سياسية معروفة ، ولم يعد لهؤلاء وجود الآن .



      ويمسك أهل السنة والجماعة عن الخوض فيما وقع من نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم ؛ لا سيما ما وقع بين علي وطلحة والزبير بعد [ ص: 285 ] مقتل عثمان ، وما وقع بعد ذلك بين علي ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ، ويرون أن الآثار المروية في مساوئهم أكثرها كذب أو محرف عن وجهه ، وأما الصحيح منها ؛ فيعذرونهم فيه ، ويقولون : إنهم متأولون مجتهدون .

      وهم مع ذلك لا يدعون لهم العصمة من كبار الذنوب وصغارها ، ولكن ما لهم من السوابق والفضائل وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه قد يوجب مغفرة ما يصدر منهم من زلات ؛ فهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون ، وأفضلها ، ومد أحدهم أو نصيفه أفضل من جبل أحد ذهبا يتصدق به من بعدهم ، فسيئاتهم مغفورة إلى جانب حسناتهم الكثيرة .

      يريد المؤلف رحمه الله أن ينفي عن الصحابة رضي الله عنهم أن يكون أحدهم قد مات مصرا على ما يوجب سخط الله عليه من الذنوب ، بل إذا كان قد صدر الذنب من أحدهم فعلا ؛ فلا يخلو عن أحد هذه الأمور التي ذكرها ؛ فإما أن يكون قد تاب منه قبل الموت ، أو أتى بحسنات تذهبه وتمحوه ، أو غفر له بفضل سالفته في الإسلام ؛ كما غفر لأهل بدر وأصحاب الشجرة ، أو بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أسعد الناس بشفاعته ، وأحقهم بها ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا في نفسه أو ماله أو ولده فكفر عنه به .

      فإذا كان هذا هو ما يجب اعتقاده فيهم بالنسبة إلى ما ارتكبوه من الذنوب المحققة ؛ فكيف في الأمور التي هي موضع اجتهاد والخطأ فيها مغفور .

      [ ص: 286 ] ثم إذا قيس هذا الذي أخطئوا فيه إلى جانب ما لهم من محاسن وفضائل ؛ لم يعد أن يكون قطرة في بحر .

      فالله الذي اختار نبيه صلى الله عليه وسلم هو الذي اختار له هؤلاء الأصحاب ، فهم خير الخلق بعد الأنبياء ، والصفوة المختارة من هذه الأمة التي هي أفضل الأمم .

      ومن تأمل كلام المؤلف رحمه الله في شأن الصحابة عجب أشد العجب مما يرميه به الجهلة المتعصبون ، وادعائهم عليه أنه يتهجم على أقدارهم ، ويغض من شأنهم ، ويخرق إجماعهم . . إلى آخر ما قالوه من مزاعم ومفتريات .




      الخدمات العلمية