الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) : وهذا الذي ذكره ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين ، من تأمل التوراة وجدها ناطقة به صريحا فيه ، فإن فيها " وغدا إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزا وسقاء من ماء [ ص: 348 ] ودفعه إلى هاجر وحمله عليها ، وقال لها : اذهبي ، فانطلقت هاجر ، ونفذ الماء الذي كان معها ، فطرحت الغلام تحت شجرة ، وجلست مقابلته على مقدار رمية حجر ، لئلا تبصر الغلام حين يموت ، ورفعت صوتها بالبكاء ، وسمع الله صوت الغلام ، وحيث هو فقال لها الملك : قومي واحملي الغلام ، وشدي يديك به ، فإني جاعله لأمة عظيمة ، فتح الله عينيها ، فرأت بئر ماء ، فسقت الغلام وملأت سقاءها ، وكان الله مع الغلام ، فربي وسكن في برية فاران .

( فهذا نص التوراة أن إسماعيل ربي وسكن في برية فاران بعد أن كاد يموت من العطش ، وأن الله تعالى سقاه من بئر ماء ، وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة هو وأبوه إبراهيم بنيا البيت ، فعلم قطعا أن فاران هي أرض مكة .

( فصل ) : ومثل هذه البشارة من كلام شمعون مما قبلوه ورضوا ترجمته : جاء الله من جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تسبيحه وتسبيح أمته ، ولم يخرج أحد قط من جبال فاران ، امتلأت الأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه وسلم : فإن المسيح لم يكن بأرض فاران ألبتة ، وموسى إنما كلم من الطور ، والطور ليس من أرض فاران ، وإن كانت البرية التي بين مكة والطور تسمى برية فاران ، فلم ينزل الله فيها التوراة ، وبشارة التوراة قد تقدمت بجبل الطور ، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير .

[ ص: 349 ] ( فصل ) : ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته في نبوة حبقوق ، ( جاء الله من اليمن ) ، وظهر ( ببيت المقدس والقدوس ) على جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد ، وملك بيمينه رقاب الأمم ، وأنارت الأرض لنوره ، وحملت خيله في البحر .

قال ابن قتيبة : وزاد فيه بعض أهل الكتاب ( وستنزع في قسيك أعراقا وترتوي إلهاما بأمرك يا محماد ارتواء .

وهذا إفصاح باسمه وصفاته ، فإن ادعوا أنه غيره ، فمن أحمد هذا الذي امتلأت الأرض من تحميده ، والذي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية