الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) قول داود في الزبور : سبحوا الله تسبيحا جديدا ، وليفرح إسرائيل بخالقه ، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته ، وأعطاهم النصر ، وسدد الصالحين بالكرامة ، ويسبحونه على مضاجعهم ، ويكبرون الله تعالى بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه ، يوثقون ملوكهم بالقيود ، وأشرافهم بالأغلال .

[ ص: 352 ] وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد وأمته ، فهم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس ، وعلى الأماكن العالية ، قال جابر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا علونا شرفا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ، ووضعت الصلاة على ذلك .

وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان ، وفي عيد الفطر ، وعيد النحر ، وفي عشر ذي الحجة ، وعقيب الصلوات الخمس في أيام منى ، وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون ، حتى ترتج منى تكبيرا .

وكان أبو هريرة رضي الله عنه ، وابن عمر رضي الله عنه يخرجان إلى الأسواق أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم ، وعند رمي الجمار ، وعند الصفا والمروة ، وعند محاذاة الحجر الأسود ، وفي أدبار الصلوات ، وليس هذا لأحد من الأمم ، لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم ، فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق ، والنصارى بالناقوس . وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأمته .

[ ص: 353 ] وقوله : بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة رضي الله عنهم بها البلاد ، وهي إلى اليوم معروفة لهم .

وقوله : يسبحون على مضاجعهم ، هو نعت المؤمنين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .

ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم ، فإنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة ، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، ينتقم الله تعالى بها من الأمم ، والنصارى تصيب من يقاتل الكفار بالسيوف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه وسلم ، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى عليه السلام قاتل الكفار ، وبعده يوشع بن نون ، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية