الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أحمد بن منيع ) بفتح فكسر ( حدثنا الفضل بن دكين ) بضم ففتح ( حدثنا مصعب بن سليم ) بصيغة المفعول فيهما ( قال : سمعت أنس بن مالك يقول : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي جيء ( بتمر فرأيته يأكل ) حال من المفعول ( وهو مقع ) اسم فاعل من الإقعاء ، أي جالس على وركيه ، وهو الاحتباء الذي هو جلسة الأنبياء ، ( من الجوع ) أي لأجله يعني أن إقعاءه كان لأجل جوعه ، والجملة حال من فاعل يأكل ، ووقع في بعض الروايات وهو محتفز .

قال الجوهري : الإقعاء عند أهل اللغة أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض ، وينصب ساقيه ويتساند ظهره ، قال : وقال الفقهاء : الإقعاء المنهي للصلاة هو أن يضع أليتيه على عقبه بين السجدتين ، قال الجزري : في النهاية ومن حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل مقعيا ، أي كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن ، وتبعه العسقلاني ، وقال النووي : أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه ، والاستيفاز الاستعجال من استفزه ، إذا حركه وأزعجه ، وهو من باب الاستفعال .

وأما قول ميرك : افتعال فهو سهو قلم من الاستعجال .

قال الترمذي في شرح قوله : وكره الإقعاء : الأظهر في تفسير الإقعاء أنه الجلوس على الوركين ونصب الفخذين والركبتين ; لأن الكلب هكذا يقعي ، وبهذا فسره أبو عبيد ، وزاد فيه شيئا آخر ، وهو وضع اليدين على الأرض ، وفيه وجه ثان ، وهو أن يفرش رجليه ويضع أليتيه على عقبيه ، وثالث أن يضع يديه ويقعد على أطراف أصابعه .

قال النووي : الصواب هو الأول ، وأما الثاني فغلط ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن الإقعاء سنة نبينا ، وفسر العلماء بهذا قال : ونص الشافعي على استحبابه ، فالإقعاء ضربان مكروه ، وغير مكروه انتهى . ومحله باب الصلاة .

وقال ابن حجر : أي جالس على أليتيه ناصب ساقيه ، وهذا هو الإقعاء المكروه في الصلاة ، وإنما لم يكره هنا ; لأن ثمة فيه تشبه بالكلاب ، وهنا تشبه بالأرقاء ففيه غاية التواضع .

وقيل : المراد هنا هو الوجه الثاني في كلام الترمذي ، والأصح ما ذكرنا ; لأن هيئته تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ، غير متكلف ولا معتن بشأن الأكل ، وأيضا فإذا كان الإقعاء له معان فيحمل إقعاؤه صلى الله عليه وسلم على ما ثبت من جلوسه عند أكله ، وقد ثبت الاحتباء ، فتعين حمله عليه ، وفي القاموس أقعى في جلوسه ، أي تساند إلى ما ورائه ، وحينئذ فيجمع بين قوله ونقل الجوهري عن اللغويين بالجمع ، بين هيئة الاحتباء ، والتساند إلى الوراء ، فمعنى مقع من الجوع محتبيا ، مستندا لما ورائه من الضعف الحاصل له بسبب الجوع ، وبما تقرر ، تحرر أن الاستناد ليس من مندوبات الأكل ، بل هو من ضروراته ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا لذلك الضعف الحاصل له ، الحامل عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية