الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح ) بضم نون وفتح موحدة وسكون تحتية وحاء مهملة ( العنزي ) بفتح [ ص: 275 ] المهملة والنون ، وبالزاي منسوب إلى بني عنزة ، قبيلة من ربيع ( عن جابر بن عبد الله ) صحابيان ( قال : أتانا النبي ) وفي نسخة : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له ) أي لأجله أصالة ولأصحابه تبعا ( شاة ) وهي جنس يتناول الضأن والمعز ، والذكر والأنثى جميعا ، وأصلها شاهة ; لأن تصغيرها شويهة فحذفت الهاء ، وأما عينها فواو ، وإنما انقلبت ياء في شياه لكسرة ما قبلها ( فقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي نسخة زيادة : " لهم " أي لجابر وأهل منزله ( كأنهم علموا أنا نحب اللحم ) أي مطلقا ، ويدل عليه ما تقدم من مدح اللحم أو في ذلك الوقت للاحتياج إلى القوة ، لمدافعة العدو ومقاومتهم أو المراد بذلك تأنيسهم وجبر خاطرهم ، دون إظهار الشغف باللحم والإفراط في محبته ، وفيه إرشاد للمضيف إلى أنه ينبغي له أن يثابر على ما يحبه الضيف إن عرفه ، وللضيف إلى أنه يخبر بما يحبه ، حيث لم يوقع المضيف في مشقة ، ( وفي الحديث قصة ) أي طويلة .

قال ابن حجر : هي أن جابرا في غزوة الخندق ، قال : انكفأت إلى امرأتي فقلت : هل عندك شيء فإني رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم جوعا شديدا ، فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن أي شاة سمينة ، فذبحتها أنا وطحنت أي زوجي الشعير ، حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئته صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر سرا ، وقلت له : تعالى أنت ونفر معك ، فصاح يا أهل الخندق إن جابرا صنع سورا أي بسكون الواو بغير همز ، طعاما يدعوا إليه الناس ، واللفظة فارسية فحيهلا بكم ، أي هلموا مسرعين ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء ، فلما جاء أخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ، ثم قال : ادع خابزة لتخبز معك ، واقدحي - أي اغرفي - من برمتكم ولا تنزلوها ، وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وأن برمتنا لتغط - أي تغلي - ، ويسمع غطيطها كما هي ، وأن عجيننا ليخبز .

كما رواه البخاري ومسلم وقال الحنفي : اعلم أن هذه القصة ، كأنها إشارة إلى ما وقع في حفر الخندق ، لكن فيه تأمل ، لأن ما ذكره المصنف هنا يدل على أن ذبح الشاة بعد إتيان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى منزل جابر ، وما ذكروه في قصة الخندق يدل على عكس ذلك ، فإن كنت في ريب فارجع إلى الحديث المتفق عليه الذي في مشكاة المصابيح ، انتهى .

ويمكن دفع الإشكال بأن يقال قوله : أتانا أي أراد أن يأتينا بمناداتنا إياه ، فذبحنا له شاة فناديناه وأعلمناه بما عندنا من لحم الغنم ، وصاع الشعير ، فقال : " كأنهم علموا أنا نحب اللحم " ، ويمكن أن يكون المعنى فذبحنا له شاة أخرى لما رأينا من كثرة أصحابه ، ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم جاء منزل جابر لحاجة ، ثم رجع فانقلب جابر إلى بيته ، وصنع ما صنع ، ثم أخبره به ، فوقع ما وقع ، والله أعلم .

وهذا الحديث من باب المعجزات واستيفاؤها يستفاد من المطولات .

التالي السابق


الخدمات العلمية