الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت عاصم بن ضمرة ) بفتح فسكون ( يقول سألنا عليا رضي الله عنه عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النهار ) أي : عن كيفية نوافله التي كان يفعلها فيه ، ولما فهم أن سؤالهم عنها للاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - فيها لا لمجرد العلم بها ( قال ) أي : عاصم ( فقال ) أي : علي ( إنكم لا تطيقون ذلك ) أي : بحسب الكيفية والحالة ، أو باعتبار الدوام والمواظبة ، والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يداوم على العبادة وإنكم لا تطيقون المداومة عليها ، وفيه إشارة إلى ترغيب السائلين على المداومة في العبادة على وجه المتابعة ، وأن المقصود من العلم هو العمل والله الموفق والمعين والحافظ عن الكسل . قال أي : عاصم ( قلنا من أطاق منا ذلك صلى ) أي : ومن لم يطق منا علم ذلك ( فقال ) أي : علي ( كان ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إذا كانت الشمس من هاهنا ) إشارة إلى جانب الشرق ( كهيئتها من هاهنا ) إشارة إلى جانب الغرب ( عند العصر صلى ركعتين ) وهذا هو صلاة الضحى في وقتها المختار ( وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر صلى أربعا ) قال ميرك : وهذه الصلاة قبل الزوال قريبا منه وتسمى صلاة الأوابين حيث ورد في الحديث .

" صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " .

أخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم مرفوعا ( ويصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين ) وكل من القبلية والبعدية مؤكدة لما صح في مسلم عن عائشة : كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ، روى الشيخان : كان لا يدع أربعا قبل الظهر ، ومن القواعد المقررة أن زيادة الثقة مقبولة ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، فلا ينافيه ما سبق من رواية ابن عمر وعائشة أنه كان يصلي ركعتين قبل الظهر مع أنه يصح الحمل على أن الأول فيما إذا صلى في البيت ، والثاني فيما إذا صلى في المسجد أو على أنه كان يصلي أربعا سنة الظهر في البيت وإذا دخل المسجد صلى تحية المسجد فظن أنه سنة الظهر وهذا أظهر والله أعلم . ويؤيده ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة : كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج . قال أبو جعفر الطبري : الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها قال ميرك : وبهذا يجمع بين ما اختلف عن عائشة في ذلك فقولها في رواية البخاري كان لا يدع أربعا أي : في غالب أحواله ، وقال العسقلاني : قال الداودي وقع في حديث ابن عمر أن قبل الظهر ركعتين [ ص: 104 ] وفي حديث عائشة أربعا وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى ، ويحتمل أنه نسي ابن عمر الركعتين من الأربع ، قال ميرك : وهذا الاحتمال بعيد ، فالأولى أن يحمل على حالين ، ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين أو أربع ركعات ثم يخرج فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته ، واطلعت عائشة على الأمرين ، وأما لفظة " كان " فيقتضي التكرار عند بعضهم ، وهي ما صححه ابن الحاجب لكن الذي صححه الفخر الرازي ، وقال النووي : أنه المختار الذي عليه الأكثرون ، والمحققون من الأصوليين أنها لا تقضيه لغة ولا عرفا ، وقال ابن دقيق العيد : أنها تقتضيه عرفا ( وقبل العصر أربعا ) أي : استحبابا ، وفيه إيماء إلى أن الأربع في نوافل النهار أفضل ، ولذا حمل خبر : " صلاة الليل مثنى مثنى " .

على أنه خاص به ، ولا ينافيه خبر أبي داود عن علي أيضا كان يصلي قبل العصر ركعتين لاحتمال أنه تارة يصلي أربعا ، وتارة يصلي اثنتين ، وورد ( رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا ) ( يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين ، والنبيين ، ومن تبعهم من المؤمنين ، والمسلمين ) أي : بالتشهد المشتمل على قوله السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين ; فإنه يشمل كل عبد صالح في السماء والأرض ، على ما ورد في الصحيح ، ويؤيد حديث عبد الله بن مسعود في المتفق عليه .

كنا إذا صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان ، وذلك في التشهد .

ذكره الطيبي وتبعه الحنفي ، وأغرب ابن حجر حيث تعقبها بقوله ، وفيه نظر إذ لفظ الحديث يأبى ذلك ، وإنما المراد بالتسليم فيه التحلل من الصلاة ، فيسن للمسلم منها أن ينوي بقوله السلام عليكم من على يمينه ويساره وخلفه من الملائكة ومؤمني الإنس والجن انتهى .

ولا يخفى أن سلام التحليل إنما يكون مخصوصا لمن حضر المصلى من الملائكة والمؤمنين ، ولفظ الحديث أعم منه حيث ذكر الملائكة والمقربين ، والنبيين ، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين إلى يوم الدين ، ولعل الجمع بين الوصفين مع أن موصوفهما واحد للإشارة إلى انقيادهم الباطني والظاهري ، والجمع بين النسبة العلمية ، والمباشرة العملية .

التالي السابق


الخدمات العلمية