الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أحمد بن منيع ) بفتح ميم فكسر نون ( عن هشيم ) بالتصغير ، وفي نسخة : حدثنا هشيم ( أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا ، وفي أخرى حدثنا ( عبيدة ) بالتصغير ، وهو ابن معتب الضبي على ما ذكره الجزري ( عن إبراهيم ) [ ص: 112 ] أي : النخعي ( عن سهم بن منجاب ) بكسر ميم ، فسكون نون فجيم فألف بعدها موحدة ( عن قرثع ) بفتح قاف وسكون راء فمثلثة مفتوحة فعين مهملة ( الضبي ) بضاد معجمة ، وموحدة مشددة ( أو عن قزعة ) بفتح قاف وزاء ، وعين مهملة ( عن قرثع ) قال ميرك شاه رحمه الله : هكذا وقع في هذه الرواية بالشك ، وسيأتي من طريق أبي معاوية : عن قزعة عن القرثع ، من غير شك ( عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدمن ) من الإدمان بمعنى المداومة أي : يلازم ( أربع ركعات عند زوال الشمس ) أي : عند تحققه وبعد وقوعه للنهي عن الصلاة حالة الاستواء ، وإنما عدل عن قوله بعد زوالها ليفيد أن المقصود أول وقت زوالها بلا تراخ ، كأنه عند زوالها ، ولذا تسمى هذه الصلاة صلاة الزوال عند بعضهم خلافا لبعضهم حيث قال : المراد بها سنة الظهر ، وفيه إيماء إلى أن السنن القبلية يستحب تعجيلها في أوائل أوقاتها على خلاف في أداء الفرائض ، والمختار التفصيل على ما هو مقرر في محله ، ويدل على ما حررناه فيما قررناه ما سيأتي من حديث ابن السائب ، وكذا حديث البزار نحوه من حديث ثوبان ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار ، فقالت عائشة : يا رسول الله أراك تستحب الصلاة هذه الساعة ، فقال : " يفتح فيها أبواب السماء ، وينظر الله إلى خلقه بالرحمة ، وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم ، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام " ، انتهى .

فقلت : يا رسول الله إنك تدمن أي : تواظب ( هذه الأربع الركعات ) وفي نسخة تكثر من هذه الركعات ( عند زوال الشمس ، فقال : إن أبواب السماء تفتح ) بصيغة المجهول ( عند زوال الشمس فلا ) بالفاء ، وفي نسخة ولا ( ترتج ) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية ، وتخفيف الجيم أي : لا تغلق ( حتى تصلى الظهر ) أي : صلاة الظهر بصيغة المفعول على أن الظهر قائم مقام فاعله ( فأحب ) بالفاء دخلت على المسبب لأن فتح أبواب السماء سبب لأن يحب صعود العمل فيها فالمعنى : أود وأتمنى ( أن يصعد ) بفتح أوله ، ويجوز ضمه أي : يطلع ويرفع ( لي في تلك الساعة خير ) أي : عمل خير من النوافل زيادة على ما كتب علي ؛ ليدل على كمال العبودية ونهاية الرغبة إلى العبادة الربوبية . قال ابن حجر تبعا لشارح قبله : فيه دليل على أن الصلاة خير موضوع كما ذكره - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر انتهى .

وهو غفلة من أن خيرا هنا ليس بمعنى أخير بل واحد الخيور ( قلت أفي كلهن قراءة ؟ ) أي بعد الفاتحة وجوبا كما هو مذهبنا من [ ص: 113 ] ضم سورة أو قدرها من القرآن ( قال : نعم ، قلت : هل فيهن ) أي : فيما بينهن من الشفعين ( تسليم فاصل ) أي : للخروج عن الصلاة احترازا من السلام الذي في التشهد ( قال : لا ) ، وهذا يدل على أن الأربع أفضل في النهار على ما ذهب إليه أئمتنا الثلاثة ، وإن خالف الإمام صاحباه في الليل .

ثم في قوله لا دليل واضح على سنية الوصل في سنة الزوال ، وكذا سنة الظهر ، والعصر مع جواز الفصل إجماعا ، وأبعد ابن حجر حيث قال فيه دليل لجواز نحو سنة الزوال ، والظهر بتسليمة واحدة ، وبعده لا يخفى لتصريح جوابه - صلى الله عليه وسلم - بلا الدالة على خلاف الأولى ثم قال : ولا يشكل عليه امتناع سنية أربع من التراويح بتسليمة ; لأن تلك لطلب الجماعة فيها أشبهت الفرائض فاقتصر فيها على الوارد فيها بخلاف نحو سنة الظهر على أن الوارد فيها كما علمت الفصل ، والوصل . وسترى ما تقرر من الفرق قلت ، وكذا ينبغي أن يقتصر في صلاة الزوال على الوارد فيها المؤكد لوصلها بالنهي عن فصلها ثم يقاس عليه كل صلاة نافلة نهارية ، ويحمل ما ورد من سنة الظهر إن صح بتسليمتين على بيان الجواز والله سبحانه أعلم قال ميرك شاه قوله قلت أفي كلهن قراءة ، الظاهر أنه من كلام أبي أيوب سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن يكون من كلام قرثع سأل أبا أيوب لكن يؤيد الأول ما عند أبي داود في هذا الحديث ، أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم يفتح لهن أبواب السماء ، وعند الطبراني قلت يا رسول الله هذه الصلاة التي قد أديت حين تزول الشمس إلخ . وفي آخره أتقرأ فيهن قال : نعم ، قلت : يفصل فيهن ، قال : نعم ، قلت يفصل فيهن بسلام قال : لا ، ولا يلزم فيه أن يسمي سنة الظهر صلاة الضحى كما فهمه ابن حجر ، وطعن طعنا بليغا على قائله مع أن عبارته إلا أن يقال المراد بالضحى في عنوان الباب أعم من الحقيقي ، وما هو قريب منه .

ثم مناسبة هذا الحديث ، وما بعده من الأحاديث لعنوان الباب الموضوع لصلاة الضحى غير ظاهرة بل كانت ملائمة للباب السابق ، اللهم إلا أن يتكلف أنها لقربها من صلاة الضحى أدرجت معها ، فهو نوع من جر الجوار مع ما فيه من الإيماء إلى أن صلاة الضحى تمتد إلى وقت الزوال ، وإنما تكون الصلاة النافلة بعده من متعلقات الظهر ، وأما قول من قال أن الضحى في الترجمة المراد بها أعم من الحقيقي والمجازي فمحمول على ما ذكرناه من مجاز المشارفة بطريق الغلبة على وجه التبعية .

( حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية أنبأنا ) ، وفي نسخة أخبرنا ( عبيدة ) بالتصغير ، وهو ضعيف اختلط في آخر عمره ( عن إبراهيم ) أي : النخعي ( عن سهم بن منجاب عن قزعة عن القرثع عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ) أي : مثله معنى لا مبنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية