الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل التاسع : حكم من استخف بالقرآن الكريم

          واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده ، أو حرفا منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه ، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر ، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ، قال الله - تعالى - : وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [ فصلت : 41 - 42 ] .

          [ حدثنا الفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد - رحمه الله - ، حدثنا أبو علي ، حدثنا ابن عبد البر ، حدثنا ابن عبد المؤمن حدثنا ابن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ] ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : المراء في القرآن كفر ، تؤول بمعنى الشك ، وبمعنى الجدال وعن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جحد آية من كتاب الله من المسلمين فقد حل ضرب عنقه ، وكذلك إن جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة ، أو كفر بها أو لعنها أو سبها أو استخف بها فهو كافر .

          وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين ، مما جمعه الدفتان من أول الحمد لله رب العالمين [ الفاتحة : 2 ] إلى آخر : قل أعوذ برب الناس [ الناس : 1 ] أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن جميع ما فيه حق ، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك ، أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا أنه كافر .

          ولهذا رأى مالك قتل من سب عائشة - رضي الله عنها - بالفرية ، لأنه خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل ، لأنه كذب بما فيه .

          وقال ابن القاسم من قال إن الله - تعالى - لم [ ص: 598 ] يكلم موسى تكليما يقتل ، وقاله عبد الرحمن بن مهدي .

          وقال محمد بن سحنون فيمن قال : المعوذتان ليستا من كتاب الله يضرب عنقه إلا أن يتوب .

          وكذلك كل من كذب بحرف منه . قال : وكذلك إن شهد شاهد على من قال : إن الله لم يكلم موسى تكليما ، وشهد آخر عليه أنه قال : إن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا ، لأنهما اجتمعا على أنه كذب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          وقال أبو عثمان بن الحداد : جميع من ينتحل التوحيد متفقون أن الجحد لحرف من التنزيل كفر .

          وكان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل له ليس كما قرأت ، ويقول : أما أنا فأقرأ كذا ، فبلغ ذلك إبراهيم ، فقال : أراه سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله .

          وقال أصبغ بن الفرج من كذب ببعض القرآن فقد كذب به كله ، ومن كذب به فقد كفر به ، ومن كفر به فقد كفر بالله .

          وقد سئل القابسي عمن خاصم يهوديا فحلف له بالتوراة ، فقال الآخر لعن الله التوراة ، فشهد عليه بذلك شاهد ، ثم شهد آخر أنه سأله عن القضية فقال : إنما لعنت توراة اليهود ، فقال أبو الحسن : الشاهد الواحد لا يوجب القتل ، والثاني علق الأمر بصفة تحتمل التأويل ، إذ لعله لا يرى اليهود متمسكين بشيء من عند الله لتبديلهم وتحريفهم .

          ولو اتفق الشاهدان على لعن التوراة مجردا لضاق التأويل .

          وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد ، لقراءته ، وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في المصحف ، وعقدوا عليه بالرجوع عنه والتوبة عنه سجلا أشهد فيه بذلك على نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، وكان فيمن أفتى عليه بذلك أبو بكر الأبهري وغيره .

          وأفتى أبو محمد بن أبي زيد بالأدب فيمن قال لصبي : لعن الله معلمك ، وما علمك . قال : أردت سوء الأدب ، ولم أرد القرآن .

          قال أبو محمد : وأما من لعن المصحف فإنه يقتل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية