الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل السابع فيما أخبر الله - تعالى - به في كتابه العزيز من عظيم قدره ، وشريف منزلته على الأنبياء ، وحظوة رتبته عليهم

          قال الله - تعالى - : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [ آل عمران : 81 ] . [ ص: 140 ] - إلى قوله - : من الشاهدين [ آل عمران : 81 ] قال أبو الحسن القابسي : استخص الله - تعالى - محمدا - صلى الله عليه وسلم - بفضل لم يؤته غيره ، أبانه به ، وهو ما ذكره في هذه الآية ، قال المفسرون : أخذ الله الميثاق بالوحي ، فلم يبعث نبيا إلا ذكر له محمدا ، ونعته ، وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به ، وقيل : أن يبينه لقومه ، ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم ، وقوله : ثم جاءكم : الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - . قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد - صلى الله عليه وسلم - : لئن بعث ، وهو حي ليؤمنن به ، ولينصرنه ، ويأخذ العهد بذلك على قومه ، ونحوه عن السدي ، وقتادة في آي تضمنت فضله من غير وجه واحد . قال الله - تعالى - : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ الأحزاب : 7 ] الآية ، وقال - تعالى - : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح إلى قوله تعالى : شهيدا [ النساء : 163 ] .

          روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال في كلام بكى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال بأبي أنت ، وأمي يا رسول الله ! لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء ، وذكرك في أولهم ، فقال : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ الأحزاب : 7 ] الآية . بأبي أنت ، وأمي يا رسول الله ! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك ، وهم بين أطباقها يعذبون يقولون : ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول

          قال قتادة : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث . فلذلك [ ص: 141 ] وقع ذكره مقدما هنا قبل نوح ، وغيره .

          قال السمرقندي : في هذا تفضيل نبينا - صلى الله عليه وسلم - لتخصيصه بالذكر قبلهم ، وهو آخرهم . المعنى : أخذ الله - تعالى - عليهم الميثاق ، إذ أخرجهم من ظهر آدم كالذر ، وقال - تعالى - : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ البقرة : 253 ] الآية .

          قال أهل التفسير : أراد بقوله : ورفع بعضهم درجات محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه بعث إلى الأحمر ، والأسود ، وأحلت له الغنائم ، وظهرت على يديه المعجزات ، وليس أحد من الأنبياء أعطي فضيلة أو كرامة إلا وقد أعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - مثلها .

          قال بعضهم : ومن فضله أن الله - تعالى - خاطب الأنبياء بأسمائهم ، وخاطبه بالنبوة ، والرسالة في كتابه ، فقال : ياأيها النبي اتق [ الأحزاب : 1 ] و ياأيها الرسول [ المائدة : 67 ] ، وحكى السمرقندي عن الكلبي في قوله - تعالى - : وإن من شيعته لإبراهيم [ الصافات : 83 ] إن الهاء عائدة على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أي إن من شيعة محمد لإبراهيم ، أي على دينه ، ومنهاجه ، وأجازه الفراء ، وحكاه عنه مكي ، وقيل : المراد نوح - عليه السلام - .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية