الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : همة تورث أنفة من المبالاة بالعلل ، والنزول على العمل والثقة بالأمل .

العلل هاهنا : هي علل الأعمال من رؤيتها ، أو رؤية ثمراتها وإرادتها . ونحو ذلك . فإنها عندهم علل .

فصاحب هذه الهمة : يأنف على همته ، وقلبه من أن يبالي بالعلل . فإن همته فوق ذلك . فمبالاته بها ، وفكرته فيها : نزول من الهمة .

وعدم هذه المبالاة : إما لأن العلل لم تحصل له ؛ لأن علو همته حال بينه وبينها . فلا يبالي بما لم يحصل له . وإما لأن همته وسعت مطلوبه ، وعلوه يأتي على تلك العلل ، ويستأصلها . فإنه إذا علق همته بما هو أعلى منها تضمنتها الهمة العالية . فاندرج حكمها في حكم الهمة العالية . وهذا موضع غريب عزيز جدا . وما أدري قصده الشيخ أو لا ؟

وأما أنفته من النزول على العمل : فكلام يحتاج إلى تقييد وتبيين . وهو أن العالي الهمة مطلبه فوق مطلب العمال والعباد . وأعلى منه . فهو يأنف أن ينزل من سماء مطلبه العالي ، إلى مجرد العمل والعبادة ، دون السفر بالقلب إلى الله ، ليحصل له ويفوز به . فإنه طالب لربه تعالى طلبا تاما بكل معنى واعتبار في عمله ، وعبادته ومناجاته ، ونومه ويقظته ، وحركته وسكونه ، وعزلته وخلطته ، وسائر أحواله . فقد انصبغ قلبه بالتوجه إلى الله تعالى أيما صبغة .

وهذا الأمر إنما يكون لأهل المحبة الصادقة . فهم لا يقنعون بمجرد رسوم الأعمال ، ولا بالاقتصار على الطلب حال العمل فقط .

وأما أنفته من الثقة بالأمل : فإن الثقة توجب الفتور والتواني . وصاحب هذه الهمة : ليس من أهل ذلك ، كيف ؟ وهو طائر لا سائر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية