الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل وراكب هذا البحر في سفينة الأمر ، وظيفته مصادمة أمواج القدر ، ومعارضتها بعضها ببعض ، وإلا هلك ، فيرد القدر بالقدر ، وهذا سير أرباب العزائم من العارفين ، وهو معنى قول الشيخ العارف القدوة عبد القادر الكيلاني : الناس إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا ، إلا أنا ، فانفتحت لي فيه روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق ، والرجل من يكون منازعا للقدر ، لا من يكون مستسلما مع القدر ، ولا تتم مصالح العباد في معاشهم إلا بدفع الأقدار بعضها ببعض فكيف في معادهم ؟

والله تعالى أمر أن تدفع السيئة - وهي من قدره - بالحسنة - وهي من قدره - وكذلك الجوع من قدره ، وأمر بدفعه بالأكل الذي هو من قدره ، ولو استسلم العبد لقدر الجوع ، مع قدرته على دفعه بقدر الأكل ، حتى مات : مات عاصيا ، وكذلك البرد والحر والعطش ، كلها من أقداره ، وأمر بدفعها بأقدار تضادها ، والدافع والمدفوع والدفع من قدره .

وقد أفصح النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى كل الإفصاح ، إذ قالوا : يا رسول الله ، أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها ، وتقى نتقي بها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ [ ص: 218 ] قال : هي من قدر الله .

وفي الحديث الآخر إن الدعاء والبلاء ليعتلجان بين السماء والأرض .

وإذا طرق العدو من الكفار بلد الإسلام طرقوه بقدر الله ، أفيحل للمسلمين الاستسلام للقدر ، وترك دفعه بقدر مثله ، وهو الجهاد الذي يدفعون به قدر الله بقدره ؟

وكذلك المعصية إذا قدرت عليك ، وفعلتها بالقدر ، فادفع موجبها بالتوبة النصوح ، وهي من القدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية