الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فأما إذا لبسه لعذر وضرورة فعليه أي : الكفارات شاء الصيام ، أو الصدقة ، أو الدم .

                                                                                                                                والأصل فيه قوله تعالى في كفارة الحلق من مرض أو أذى في الرأس { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { قال لكعب بن عجرة : أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم فقال : احلق واذبح شاة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من بر } والنص وإن ورد بالتخيير في الحلق ، لكنه معلول بالتيسير والتسهيل للضرورة والعذر ، وقد وجد ههنا ، والنص الوارد هناك يكون واردا ههنا دلالة .

                                                                                                                                وقيل : إن عند الشافعي يتخير بين أحد الأشياء الثلاثة في حالة الاختيار أيضا ، وأنه غير سديد ; لأن التخيير في حال الضرورة للتيسير والتخفيف ، والجاني لا يستحق التخفيف ، ويجوز في الطعام التمليك ، والتمكين وهو : طعام الإباحة في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وعند محمد لا يجوز فيه إلا التمليك ، ونذكر المسألة في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى

                                                                                                                                ويجوز في الصيام التتابع والتفرق لإطلاق اسم الصوم في النص ، ولا يجوز الذبح إلا في الحرم كذبح المتعة إلا إذا ذبح في غير الحرم ، وتصدق بلحمه على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع من حنطة ; فيجوز على طريق البدل عن الطعام " ويجوز الصوم في الأماكن كلها بالإجماع .

                                                                                                                                وكذا الصدقة عندنا وعند الشافعي لا تجزيه ، [ ص: 188 ] إلا بمكة نظرا لأهل مكة ; لأنهم ينتفعون به ولهذا لم يجز الدم إلا بمكة ، ولنا أن نص الصدقة مطلق عن المكان فيجري على إطلاقه ، والقياس على الدم بمعنى الانتفاع فاسد لما ذكرنا في الإحصار ، وإنما عرف اختصاص جواز الذبح بمكة بالنص ، وهو قوله تعالى { : حتى يبلغ الهدي محله } ولم يوجد مثله في الصدقة وقد ذكرنا أن المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر به فتقه ، فإن لبسه يوما ولم يفتقه فعليه دم في قول أصحابنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : " يلبسه ولا شيء عليه " وجه قوله أن الكفارة إنما تجب بلبس محظور ، ولبس السراويل في هذه الحالة ليس بمحظور ; لأنه لا يمكنه لبس غير المخيط إلا بالفتق ، وفي الفتق تنقيص ماله ، ولنا أن حظر لبس المخيط ثبت بعقد الإحرام ، ويمكنه التستر بغير المخيط في هذه الحالة بالفتق فيجب عليه الفتق ، والستر بالمفتوق أولى ، فإذا لم يفعل فقد ارتكب محظور إحرامه يوما كاملا فيلزمه الدم .

                                                                                                                                وقوله : " في الفتق تنقيص ماله " مسلم لكن لإقامة حق الله تعالى ، وأنه جائز كالزكاة وقطع الخفين أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية