الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو أخذ شيئا من رأسه أو لحيته ، أو لمس شيئا من ذلك فانتثر منه شعرة فعليه صدقة لوجود الارتفاق بإزالة التفث ، هذا إذا حلق رأس نفسه .

                                                                                                                                فأما إذا حلق رأس غيره فعلى الحالق صدقة عندنا .

                                                                                                                                وقال مالك والشافعي : " لا شيء على الحالق " .

                                                                                                                                وجه قولهما : أن وجوب الجزاء لوجود الارتفاق ، ولم يوجد من الحالق ، ولنا أن المحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه ممنوع من حلق رأس غيره لقوله عز وجل { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } والإنسان لا يحلق رأس نفسه ، إلا أنه لما حرم عليه حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الأولى ، فتجب عليه الصدقة ، ولا يجب عليه الدم ، لعدم الارتفاق في حقه ، وسواء كان المحلوق حلالا أو حراما لما قلنا ، غير أنه إن كان حلالا لا شيء عليه وإن كان حراما فعليه الدم ، لحصول الارتفاق الكامل له ، وسواء كان الحلق بأمر المحلوق أو بغير أمره طائعا أو مكرها عندنا وقال الشافعي : إن كان مكرها فلا شيء عليه ، وإن لم يكن مكرها لكنه سكت ففيه وجهان ، والصحيح قولنا ; لأن الإكراه لا يسلب الحظر ، وكمال الارتفاق موجود فيجب عليه كمال الجزاء ، وليس له أن يرجع به على الحالق ، وعن القاضي أبي حازم أنه يرجع عليه بالكفارة ; لأن الحالق هو الذي أدخله في عهدة الضمان ، فكان له أن يرجع عليه كالمكره على إتلاف المال ، ولنا أن الارتفاق الكامل حصل له فلا يرجع على أحد ، إذ لو رجع لسلم له العوض والمعوض .

                                                                                                                                وهذا لا يجوز كالمغرور إذا وطئ الجارية وغرم العقر ، أنه لا يرجع به على الغار لما قلنا ، كذا هذا وإن كان الحالق حلالا فلا شيء عليه ، وحكم المحلوق ما ذكرنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية