الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فإن قلم خمسة أظافير من الأعضاء الأربعة متفرقة اليدين والرجلين فعليه صدقة ، لكل ظفر نصف صاع في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف .

                                                                                                                                وقال محمد : عليه " دم " ، وكذلك لو قلم من كل عضو من الأعضاء الأربعة أربعة أظافير ، فعليه صدقة عندهما ، وإن كان يبلغ جملتها ستة عشر ظفرا ، ويجب في كل ظفر نصف صاع من بر ، إلا إذا بلغت قيمة الطعام دما فينقص منه ما شاء .

                                                                                                                                وعند محمد عليه دم ، فمحمد اعتبر عدد الخمسة لا غير ، ولم يعتبر التفرق والاجتماع ، وأبو حنيفة وأبو يوسف اعتبرا مع عدد الخمسة صفة الاجتماع ، وهو أن يكون من محل واحد .

                                                                                                                                وجه قول محمد : أن قلم أظافير يد واحدة ، أو رجل واحدة إنما أوجب الدم لكونها ربع الأعضاء المتفرقة ، وهذا المعنى يستوي فيه المجتمع والمتفرق ، ألا ترى أنهما استويا في الأرش بأن قطع خمسة أظافير متفرقة فكذا هذا ، ولهما أن الدم إنما يجب بارتفاق كامل ، ولا يحصل ذلك بالقلم متفرقا ; لأن ذلك شين ويصير مثلة ، فلا تجب به كفارة كاملة ، ويجب في كل ظفر نصف صاع من حنطة إلا أن تبلغ قيمة الطعام دما ينقص منه ما شاء ; لأنا إنما لم نوجب عليه الدم لعدم تناهي الجناية لعدم ارتفاق كامل ، فلا يجب أن يبلغ قيمة الدم فإن اختار الدم فله ذلك وليس عليه غيره ، فإن قلم خمسة أظافير من يد واحدة ، أو رجل واحدة ولم يكفر ، ثم قلم أظافير يده الأخرى ، أو رجله الأخرى ، فإن كان في مجلس واحد فعليه دم واحد استحسانا ، والقياس : أن يجب لكل واحد دم لما سنذكر إن شاء الله تعالى ، وإن كان في مجلسين فعليه دمان في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف .

                                                                                                                                وقال محمد : " عليه دم واحد ما لم يكفر للأول " وأجمعوا على أنه لو قلم خمسة أظافير من يد واحدة ، أو رجل واحدة ، وحلق ربع رأسه ، وطيب عضوا واحدا أن عليه لكل جنس دما على حدة ، سواء كان في مجلس واحد ، أو في مجالس مختلفة ، وأجمعوا في كفارة الفطر على أنه إذا جامع في اليوم الأول ، وأكل في اليوم الثاني ، وشرب في اليوم الثالث أنه إن كفر للأول فعليه كفارة أخرى ، وإن لم يكفر للأول فعليه كفارة واحدة ، فأبو حنيفة ، وأبو يوسف جعلا اختلاف المجلس كاختلاف الجنس ، ومحمد جعل اختلاف المجلس كاتحاده عند اتفاق الجنس ، وعلى هذا إذا قطع أظافير اليدين والرجلين أنه إن كان في مجلس واحد يكفيه دم واحد استحسانا ، والقياس : أن يجب عليه بقلم أظافير كل عضو من يد [ ص: 195 ] أو رجل دم ، وإن كان في مجلس واحد .

                                                                                                                                وجه القياس : أن الدم إنما يجب لحصول الارتفاق الكامل ; لأن بذلك تتكامل الجناية فتتكامل الكفارة ، وقلم أظافير كل عضو ارتفاق على حدة ، فيستدعي كفارة على حدة .

                                                                                                                                ووجه الاستحسان : أن جنس الجناية واحد حظرها إحرام واحد بجهة غير متقومة ، فلا يوجب إلا دما واحدا ، كما في حلق الرأس أنه إذا حلق الربع يجب عليه دم .

                                                                                                                                ولو حلق الكل يجب عليه دم واحد لما قلنا كذا هذا ، وإن كان في مجالس مختلفة يجب لكل من ذلك كفارة في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، سواء كفر للأول أو لا ، وعند محمد إن لم يكفر للأول فعليه كفارة واحدة .

                                                                                                                                وجه قوله : أن الكفارة تجب بهتك حرمة الإحرام ، وقد انهتك حرمته بقلم أظافير العضو الأول ، وهتك المهتوك لا يتصور ، فلا يلزمه كفارة أخرى ولهذا لا يجب كفارة أخرى بالإفطار في يومين من رمضان ; لأن وجوبها بهتك حرمة الشهر جبرا لها ، وقد انهتك بإفساد الصوم في اليوم الأول ، فلا يتصور هتكا بالإفساد في اليوم الثاني والثالث ، كذا هذا ، بخلاف ما إذا كفر للأول لأنه انجبر الهتك بالكفارة وجعل كأنه لم يكن فعادت حرمة الإحرام ، فإذا هتكها تجب كفارة أخرى جبرا لها كما في كفارة رمضان ، ولهما أن كفارة الإحرام تجب بالجناية على الإحرام ، والإحرام قائم فكان كل فعل جناية على حدة على الإحرام فيستدعي كفارة على حدة ، إلا أن عند اتحاد المجلس جعلت الجنايات المتعددة حقيقة متحدة حكما ; لأن المجلس جعل في الشرع جامعا للأفعال المختلفة كما في خيار المخيرة ، وسجدة التلاوة ، والإيجاب والقبول في البيع ، وغير ذلك ، فإذا اختلف المجلس أعطى لكل جناية حكم نفسها ، فيعتبر في الحكم المتعلق بها ، بخلاف كفارة الإفطار ; لأنها ما وجبت بالجناية على الصوم بل جبرا لهتك حرمة الشهر .

                                                                                                                                وحرمة الشهر واحدة لا تتجزأ ، وقد انهتكت حرمته بالإفطار الأول ، فلا يحتمل الهتك ثانيا .

                                                                                                                                ولو قلم أظافير يد لأذى في كفه فعليه أي الكفارات شاء لما ذكرنا أن ما حظره الإحرام إذا فعله المحرم عن ضرورة وعذر فكفارته أحد الأشياء الثلاثة ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية