الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ومنها أن لا تكون معتدة الغير لقوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } أي : ما كتب عليها من التربص ، ولأن بعض أحكام النكاح حالة العدم قائم فكان النكاح قائما من وجه .

                                                                                                                                والثابت [ ص: 269 ] من وجه كالثابت من كل وجه في باب الحرمات ; ولأنه لا يجوز التصريح بالخطبة في حال قيام العدة ، ومعلوم أن خطبتها بالنكاح دون حقيقة النكاح فما لم تجز الخطبة فلأن لا يجوز العقد أولى ، وسواء كانت العدة عن طلاق أو عن وفاة أو دخول في نكاح فاسد أو شبهة نكاح لما ذكرنا من الدلائل ، ويجوز لصاحب العدة أن يتزوجها إذا لم يكن هناك مانع آخر غير العدة ; لأن العدة حقه قال الله سبحانه وتعالى : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } أضاف العدة إلى الأزواج فدل أنها حق الزوج ، وحق الإنسان لا يجوز أن يمنعه من التصرف ، وإنما يظهر أثره في حق الغير ، ويجوز نكاح المسبية بغير السابي إذا سبيت وحدها دون زوجها وأخرجت إلى دار الإسلام بالإجماع ; لأنه وقعت الفرقة بينهما ولا عدة عليها لقوله عز وجل { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } والمراد منه المسبيات اللاتي هن ذوات الأزواج فقد أحل الله تعالى المسبية للمولى السابي إذ الاستثناء من التحريم إباحة من حيث الظاهر ، وقد أحلها عز وجل مطلقا من غير شرط انقضاء العدة فدل أنه لا عدة عليها ، وكذلك المهاجرة وهي المرأة خرجت إلينا من دار الحرب مسلمة مراغمة لزوجها يجوز نكاحها ، ولا عدة عليها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : عليها العدة ولا يجوز نكاحها ( وجه ) قولهما : إن الفرقة وقعت بتباين الدار فتقع بعد دخولها دار الإسلام وهي بعد الدخول مسلمة وفي دار الإسلام ، فتجب عليها العدة كسائر المسلمات ، ولأبي حنيفة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله عز وجل : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أباح تعالى نكاح المهاجرة مطلقا من غير ذكر العدة وقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نهى الله تعالى المسلمين عن الإمساك والامتناع عن نكاح المهاجرة لأجل عصمة الزوج الكافر وحرمته ، فالامتناع عن نكاحها للعدة ، والعدة في حق الزوج يكون إمساكا وتمسكا بعصمة زوجها الكافر ، وهذا منهي عنه ، ولأن العدة حق من حقوق الزوج ولا يجوز أن يبقى للحربي على المسلمة الخارجة إلى دار الإسلام حق ، والدليل عليه أن لا عدة على المسبية ، وإن كانت كافرة على الحقيقة لكنها ليست في حكم الذمية تجري عليها أحكام الإسلام ، ومع ذلك ينقطع عنها حق الزوج الكافر ، فالمهاجرة المسلمة حقيقة لأن ينقطع عنها حق الزوج الكافر أولى هذا إذا هاجرت إلينا - وهي حائل - فأما إذا كانت حاملا ففيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة وسنذكرها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية