الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما التفويض المعلق بشرط فلا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون مطلقا عن الوقت ، وإما أن يكون مؤقتا ، فإن كان مطلقا بأن قال : إذا قدم فلان فأمرك بيدك فقدم فلان فالأمر بيدها إذا علمت في مجلسها الذي يقدم فيه فلان ; لأن المعلق بشرط كالمنجز عند الشرط فيصير قائلا عند القدوم أمرك بيدك فإذا علمت بالقدوم كان لها الخيار في مجلس علمها .

                                                                                                                                وإن موقتا بأن قال : إذا قدم فلان فأمرك بيدك يوما أو قال : اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فإذا قدم فلها الخيار في ذلك الوقت كله إذا علمت بالقدوم غير أنه إذا ذكر اليوم منكرا يقع على يوم تام .

                                                                                                                                بأن قال : إذا قدم فلان فأمرك بيدك يوما .

                                                                                                                                وإن عرفه يقع على بقية اليوم الذي يقدم فيه ولا يبطل بالقيام عن المجلس .

                                                                                                                                وهل يبطل باختيارها زوجها ؟ فهو على ما ذكرنا من الاختلاف وليس لها أن تختار نفسها في الوقت كله إلا مرة واحدة لما بينا ، ولو لم تعلم بقدومه حتى مضى الوقت ثم علمت فلا خيار لها بهذا التفويض أبدا لما مر .

                                                                                                                                وأما المضاف إلى الوقت ; بأن قال : أمرك بيدك غدا أو رأس شهر كذا فجاء الوقت ; صار الأمر بيدها ; لأن الطلاق يحتمل الإضافة إلى الوقت فكذا تمليكه وكان على مجلسها من أول الغد ورأس الشهر وأول الغد من حين يطلع الفجر الثاني ورأس الشهر ليلة الهلال ويومها ، وإن قال : أمرك بيدك إذا هل الشهر يصير الأمر بيدها ساعة يهل الهلال ويتقيد بالمجلس .

                                                                                                                                ولو قال : أمرك بيدك اليوم وغدا ، أو قال : أمرك بيدك هذين اليومين فلها الأمر في اليومين تختار نفسها في أيهما شاءت ، ولا يبطل بالقيام عن المجلس ما بقي شيء من الوقتين .

                                                                                                                                وهل يبطل باختيارها زوجها ؟ فهو على ما مر من الاختلاف ، ولو قال لها : أمرك بيدك اليوم وبعد غد فاختارت زوجها اليوم فلها أن تختار نفسها بعد غد ، وكذلك إذا ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الأمر بيدها بعد غد حتى كان لها أن تختار نفسها بعد غد ، ذكر القدوري هذه المسألة ونسب القول إلى أبي حنيفة وأبي يوسف وذكرها في الجامع الصغير ولم يذكر الاختلاف .

                                                                                                                                والوجه أنه جعل الأمر بيدها في وقتين وجعل بينهما وقتا لا خيار لها فيه فصار كل واحد من الوقتين شيئا منفصلا عن صاحبه مستقلا بنفسه في الأمر مفردا به فيتعدد التفويض معنى كأنه قال : أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد فرد الأمر في أحدهما لا يكون ردا في الآخر بخلاف قوله : أمرك بيدك اليوم أو الشهر أو السنة أو اليوم أو غدا أو هذين اليومين على قول من يقول : يبطل الأمر ; لأن هناك الزمان واحد لا يتخلله ما لا خيار لها فيه ، فكان التفويض واحدا فرد الأمر فيه يبطله ، ولو قال : أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران حتى لو اختارت زوجها اليوم أو ردت الأمر فهو على خيارها غدا ; لأنه لما كرر اللفظ فقد تعدد التفويض ، فرد أحدهما لا يكون ردا للآخر ، ولو اختارت نفسها في اليوم فطلقت ثم تزوجها قبل مجيء الغد فأرادت أن تختار فلها ذلك ، وتطلق أخرى إذا اختارت نفسها ; لأنه ملكها بكل واحدة من التفويضين طلاقا ، فالإيقاع بأحدهما لا يمنع من الإيقاع بالآخر ، ولو قال : لها أمرك بيدك هذه السنة فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها أن تختار في بقية السنة في قول أبي يوسف .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : وقياس قول أبي حنيفة أن يلزمها الطلاق في الخيار الثاني ولست أروي هذا عنه ، ولكن هذا قياس قوله ، ولو كان ترك القياس واستحسن لكان مستقيما ، ولو لم تختر نفسها ولا زوجها ، ولكن الزوج طلقها واحدة ولم يكن دخل بها ثم تزوجها في تلك السنة فلا خيار لها في بقية السنة في قول أبي يوسف ، وعند أبي حنيفة لها الخيار ( وجه ) قول أبي يوسف أن الزوج تصرف فيما فوض إليها فيخرج الأمر من يدها كالموكل إذا باع ما وكل ببيعه أنه ينعزل الوكيل ولأبي حنيفة أن جعل الأمر باليد فيه معنى التعليق فزوال الملك لا يبطله ما دام طلاق الملك الأول قائما كما في سائر التعليقات ، وقوله : الزوج تصرف فيما فوض إليها ليس كذلك لأنه يملك ثلاث تطليقات ولم يفوض إليها إلا واحدة فيقتضي خروج المفوض من يده لا غير ، كما إذا وكل إنسانا يبيع ثوبين له فباع الموكل أحدهما لم تبطل الوكالة لما قلنا كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية