الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) شرط صحته فلصحة الاستثناء شرائط : بعضها يعم النوعين ، وبعضها يخص أحدهما أما الذي يعمهما جميعا فهو أن يكون الاستثناء موصولا بما قبله من الكلام عند عدم الضرورة حتى لو حصل الفصل بينهما بسكوت أو غير ذلك من غير ضرورة لا يصح ، وهذا قول عامة الصحابة رضي الله عنهم ، وعامة العلماء إلا شيئا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن هذا ليس بشرط ، ويصح متصلا ، ومنفصلا واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لأغزون قريشا ثم قال بعد سنة إن شاء الله تعالى } ، ولو لم يصح لما قال .

                                                                                                                                ولأن الاستثناء في معنى التخصيص ; لأن كل واحد منهما بيان ثم التخصيص يصح مقارنا ، ومتراخيا فكذا الاستثناء يجب أن يكون متصلا ، ومنفصلا ، ولنا أن الأصل في كل كلام تام بنفسه ، فإن كان مبتدأ ، وخبرا أن لا يقف حكمه على غيره ، والوقف عند الوصل لضرورة ، وهي ضرورة استدراك الغلط ، والضرورة تندفع بالموصول ، فلا يقف عند عدم الوصل ، ولهذا لم يقف على الشرط المنقطع فكذا على الاستثناء المنقطع ; ولأنه عند عدم الوصول ليس باستثناء لغة ; لأن العرب لم تتكلم به ، ومن تكلم به لا يعدونه استثناء بل يسخرون منه ، وبهذا تبين أن الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تكاد تصح ; لأنه كان إماما في اللغة كما كان إماما في الشريعة .

                                                                                                                                وأما التخصيص المتراخي فعند بعض مشايخنا ليس ببيان بل هو فسخ ، فلا يلزم ، وعند بعضهم بيان لكن إلحاق البيان بالمجمل ، والعام الذي يمكن العمل بظاهره متراخيا مشهور عندهم ، وإنه كثير النظير في كتاب الله عز وجل .

                                                                                                                                وأما الحديث ففيه أنه قال بعد تلك المقالة بسنة إن شاء الله تعالى وليس فيه أنه قصد به تصحيح الاستثناء فيحمل أنه أراد به استدراك الاستثناء المأمور به في الكتاب العزيز قال عز وجل { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } أي : إلا أن تقول : إن شاء الله فنسي ذلك فتذكره بعد سنة فأمر باستدراكه بقوله سبحانه ، وتعالى { ، واذكر ربك إذا نسيت } ، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أضمر في نفسه أمرا ، وأراد في قلبه ، وعزم عليه فأظهر الاستثناء بلسانه فقال : إن شاء الله ، ومثل هذا معتاد فيما بين الناس ، فلا يصح الاحتجاج به مع الاحتمال هذا الذي ذكرنا إذا كان الفصل من غير ضرورة ، .

                                                                                                                                فأما إذا كان لضرورة التنفس ، فلا يمنع الصحة ، ولا يعد ذلك فصلا إلا أن يكون سكتة هكذا روى هشام عن أبي يوسف ; لأن هذا النوع من الفصل مما لا يمكن التحرز عنه ، فلا يعتبر فصلا ، ويعطى له حكم الوصل للضرورة .

                                                                                                                                وأما كون الاستثناء مسموعا فهل هو شرط ؟ ذكر الكرخي أنه ليس بشرط حتى لو حرك لسانه ، وأتى بحروف الاستثناء يصح ، وإن لم يكن مسموعا .

                                                                                                                                وذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه شرط ، ولا يصح الاستثناء بدونه وجه ما ذكره الكرخي أن الكلام هو الحروف المنظومة [ ص: 155 ] وقد وجدت .

                                                                                                                                فأما السماع فليس بشرط لكونه كلاما فإن الأصم يصح استثناؤه ، وإن كان لا يسمع ، والصحيح ما ذكره الفقيه أبو جعفر ; لأن الحروف المنظومة ، وإن كانت كلاما - عند الكرخي ، وعندنا - هي دلالة على الكلام ، وعبارة عنه لا نفس الكلام في الغائب ، والشاهد جميعا فلم توجد الحروف المنظومة ههنا ; لأن الحروف لا تتحقق بدون الصوت فالحروف المنظومة لا تتحقق بدون الأصوات المتقطعة بتقطيع خاص فإذا لم يوجد الصوت لم توجد الحروف فلم يوجد الكلام عنده ، ولا دلالة الكلام عندنا فلم يكن استثناء ، والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية