الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو تزوج كبيرة وصغيرتين فأرضعتهما الكبيرة فإن أرضعتهما معا حرمن عليه ; لأنهما جميعا صارتا بنتين للمرضعة فصار جامعا بينهن نكاحا فحرمن عليه ، ولا يجوز له أن يتزوج الكبيرة أبدا سواء كان دخل بها أو لم يدخل بها ; لأنها أم منكوحته فتحرم بنفس العقد على البنت .

                                                                                                                                ولا يجوز له أن يجمع بين الصغيرتين نكاحا أبدا ; لأنهما صارتا أختين من الرضاع ويجوز أن يتزوج بإحداهما إن كان لم يدخل [ ص: 13 ] بالكبيرة ; لأنها ربيبته من الرضاع فلا تحرم بمجرد العقد على الأم كما في النسب ، وإن كان قد دخل بها ; لا يجوز كما في النسب وإن أرضعتهما على التعاقب : واحدة بعد أخرى فقد حرمت الكبيرة مع الصغيرة الأولى ; لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فبانتا منه .

                                                                                                                                وأما الصغيرة الثانية فإنما أرضعتها بعد ما بانت الكبيرة فلم يصر جامعا لكنها ربيبته من الرضاع فإن كان قد دخل بأمها تحرم عليه وإلا فلا ولا يجوز نكاح الكبيرة بعد ذلك ولا الجمع بين الصغيرتين لما ذكرنا ولو تزوج كبيرة وثلاث صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد أخرى حرمن عليه جميعا ; لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم والبنت فحرمتا عليه ، لما أرضعت الثانية فقد أرضعتها والكبيرة والصغيرة الأولى مبانتان فلا يحرم بسبب الجمع لعدم الجمع ولكن ينظر إن كان قد دخل بالكبيرة تحرم عليه للحال ; لأنها ربيبته وقد دخل بأمها وإن كان لم يدخل بأمها لا تحرم عليه للحال حتى ترضع الثالثة فإذا أرضعت الثالثة حرمتا عليه ; لأنهما صارتا أختين والحكم في تزوج الكبيرة بعد ذلك والجمع بين صغيرتين وتزوج إحدى الصغائر ما ذكرنا ولو تزوج صغيرتين وكبيرتين فعمدت الكبيرتان إلى إحدى الصغيرتين فأرضعتاها إحداهما بعد أخرى ثم أرضعتا الصغيرة الثانية واحدة بعد أخرى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الثانية امرأته ; لأنهما لما أرضعتا الصغيرة الأولى صارت كل واحدة من الكبيرتين أم امرأته وصارت الصغيرة بنت امرأته فصار جامعا بينهن فحرمن عليه فلما أرضعتا الثانية فقد أرضعتاها بعد ثبوت البينونة فلم يصر جامعا فلا تحرم هذه الصغيرة بسبب الجمع ولكنها ابنة منكوحة كانت له ، فإن كان لم يدخل بها لا تحرم عليه وإن كان قد دخل بها تحرم ولا يجوز له نكاح واحدة من الكبيرتين بعد ذلك بحال والأمر في جواز نكاح الصغيرة الأولى على التفصيل الذي مر ولو كانت إحدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ينظر إن كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتي بدأت بها الكبيرة الأولى ; بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الأخرى امرأته وإن كانت بدأت بالتي لم تبدأ بها الأولى حرمن عليه جميعا وإنما كان كذلك ; لأن الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت بنتها فحصل الجمع بين الأم والبنت فحرمتا عليه .

                                                                                                                                فلما أرضعت الأخرى أرضعتها وهي أجنبية فلم يتحقق الجمع لكن صارت الأخرى ربيبته .

                                                                                                                                فإن كان لم يدخل بأمها لا تحرم ، وإن كان قد دخل بها تحرم فلما جاءت الكبيرة الأخيرة فأرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت أم منكوحته فحرمت عليه فلما أرضعت الصغيرة الأخرى فقد أرضعتها وهي أجنبية فصارت ربيبته فلا تحرم إذا كان لم يدخل بأمها ، وإن كان قد دخل بأمها تحرم وإن كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتي لم تبدأ بها الكبيرة الأولى فقد صارت بنتا لها فصار جامعها مع أمها فحرمتا عليه كما حرمت الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فحرمن جميعا ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا ; لأنهما صارتا أختين وكذا إذا أرضعت أخت الكبيرة الصغيرة ; لأنها صارت بنت أخت امرأته والجمع بين المرأة وبين بنت أختها لا يجوز في الرضاع كما لا يجوز في النسب ولو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن ; لأنها صارت بنت عمة امرأته أو بنت خالتها ويجوز للإنسان أن يجمع بين امرأة وبين بنت عمتها أو بنت خالتها في النسب فكذا في الرضاع ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة له صغيرة بانت الصغيرة ; لأنها صارت بنتا له فحصل الجمع في حال العدة والجمع في حال قيام العدة كالجمع في حال قيام النكاح ، ولو زوج ابنه وهو صغير امرأة لها لبن فارتدت وبانت من الصبي ثم أسلمت فتزوجها رجل فحبلت منه ثم أرضعت بلبنها ذلك الصبي الذي كان زوجها حرمت على زوجها الثاني كذا روى بشر بن الوليد عن محمد ; لأن ذلك الصبي صار ابنا لزوجها فصارت هي منكوحة ابنه من الرضاع فحرمت عليه ، ولو زوج رجل أم ولده مملوكا له صغيرا فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها ; لأن الزوج صار ابنا لزوجها فصارت هي موطوءة أبيه فتحرم عليه ولا يجوز للمولى أن يطأها بملك اليمين ; لأنها [ ص: 14 ] منكوحة ابنه ولو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه ; لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية