الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) ما يخرج من أبدان سائر الحيوانات من البهائم من الأبوال والأرواث على الاتفاق والاختلاف ، ( أما ) الأبوال فلا خلاف في أن بول كل ما لا يؤكل لحمه نجس ، واختلف في بول ما يؤكل لحمه قال أبو حنيفة وأبو يوسف نجس .

                                                                                                                                وقال محمد طاهر حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده ، ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه ، ( واحتج ) بما روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح للعرنيين شرب أبوال إبل الصدقة وألبانها } مع قوله صلى الله عليه وسلم { إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم } وقوله : { ليس في الرجس شفاء } فثبت أنه طاهر ( ولهما ) حديث عمار { إنما يغسل الثوب من خمس ، } وذكر من جملتها البول مطلقا من غير فصل وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } من غير فصل وقوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث } ومعلوم أن الطباع السليمة تستخبثه ، وتحريم الشيء - لا لاحترامه وكرامته - تنجيس له شرعا ; ولأن معنى النجاسة فيه موجود وهو الاستقذار الطبيعي لاستحالته إلى فساد وهي الرائحة المنتنة ، فصار كروثة وكبول ما لا يؤكل لحمه .

                                                                                                                                وأما الحديث فقد ذكر قتادة أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشرب ألبانها دون أبوالها ، } فلا يصح التعلق به ، على أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف بطريق الوحي شفاءهم فيه ، والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن لحصول الشفاء فيه ، كتناول الميتة عند المخمصة ، والخمر عند العطش ، وإساغة اللقمة وإنما لا يباح بما لا يستيقن حصول الشفاء به ، ثم عند أبي يوسف يباح شربه للتداوي لحديث [ ص: 62 ] العرنيين ، وعند أبي حنيفة لا يباح ; لأن الاستشفاء بالحرام الذي لا يتيقن حصول الشفاء به حرام ، وكذا بما لا يعقل فيه الشفاء ولا شفاء فيه عند الأطباء ، والحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم عرف شفاء أولئك فيه على الخصوص والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية