الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) السؤر المختلف في طهارته ونجاسته فهو سؤر الخنزير والكلب وسائر سباع الوحش ، فإنه نجس عند عامة العلماء ، وقال مالك : طاهر وقال الشافعي سؤر السباع كلها طاهر سوى الكلب والخنزير .

                                                                                                                                ( أما ) الكلام مع مالك فهو يحج بظاهر قوله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } أباح الانتفاع بالأشياء كلها ، ولا يباح الانتفاع إلا بالطاهر ، إلا أنه حرم أكل بعض الحيوانات ، وحرمة الأكل لا تدل على النجاسة كالآدمي ، وكذا الذباب والعقرب والزنبور ونحوها طاهرة ولا يباح أكلها ، إلا أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب مع طهارته تعبدا ، ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه ثلاثا ، وفي رواية خمسا ، وفي رواية سبعا } والأمر بالغسل لم يكن تعبدا ، إذ لا قربة تحصل بغسل الأواني ; ألا ترى أنه لو لم يقصد صب الماء فيه في المستقبل لا يلزمه الغسل ، فعلم أنه لنجاسته ; ولأن سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ، ولحومها نجسة ويمكن التحرز عن سؤرها وصيانة الأواني عنها ; فيكون نجسا ضرورة .

                                                                                                                                ( وأما ) الكلام مع الشافعي فهو يحتج بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ فقال : نعم ، وبما أفضلت السباع كلها } وعن جابر بن عبد الله أن { النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي بين مكة والمدينة وما يردها من السباع فقال صلى الله عليه وسلم : لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور } وهذا نص .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن عمر وعمرو بن العاص أنهما وردا حوضا فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض : أترد السباع حوضكم ؟ فقال عمر رضي الله عنه : يا صاحب الحوض لا تخبرنا ولو لم يتنجس الماء القليل بشربها منه لم يكن للسؤال ولا للنهي معنى ; ولأن هذا حيوان غير مأكول اللحم ويمكن صون الأواني عنها ، ويختلط بشربها لعابها بالماء ، ولعابها نجس ; لتحلبه من لحمها وهو نجس ، فكان سؤرها نجسا كسؤر الكلب والخنزير بخلاف الهرة ، لأن صيانة الأواني عنها غير ممكن وتأويل الحديثين أنه كان قبل تحريم لحم السباع ، أو السؤال وقع عن المياه الكثيرة وبه نقول : إن مثلها لا ينجس .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية