الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولا ينعقد بيع الخنزير من المسلم ; لأنه ليس بمال في حق المسلمين فأما أهل الذمة فلا يمنعون من بيع الخمر ، والخنزير أما على قول بعض مشايخنا فلأنه مباح الانتفاع به شرعا لهم كالخل ، وكالشاة لنا فكان مالا في حقهم فيجوز بيعه .

                                                                                                                                وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عشاره بالشام أن ولوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ، ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع ، وعن بعض مشايخنا : حرمة الخمر ، والخنزير ثابتة على العموم في حق المسلم ، والكافر ; لأن الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات هو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن بيعها ; لأنهم لا يعتقدون حرمتها ، ويتمولونها .

                                                                                                                                ونحن أمرنا بتركهم ، وما يدينون ، ولو باع ذمي من ذمي خمرا ، أو خنزيرا ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض يفسخ البيع ; لأنه بالإسلام حرم البيع ، والشراء ، فيحرم القبض ، والتسليم أيضا ; لأنه يشبه الإنشاء أو إنشاء من وجه فيلحق به في باب الحرمات احتياطا ، وأصله قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } والأمر بترك ما بقي من الربا هو النهي عن قبضته يؤيده قوله تعالى في آخر الآية الشريفة : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ، ولا تظلمون } وإذا حرم القبض ، والتسليم لم يكن في بقاء العقد فائدة ، فيبطله القاضي كمن باع عبدا فأبق قبل القبض ، ولو كان إسلامهما أو إسلام أحدهما بعد القبض مضى البيع ; لأن الملك قد ثبت على الكمال بالعقد ، والقبض في حالة الكفر ، وإنما يوجد بعد الإسلام دوام الملك .

                                                                                                                                والإسلام لا ينافي ذلك فإن من تخمر عصيره لا يؤمر بإبطال ملكه فيها ، ولو أقرض الذمي ذميا خمرا ثم أسلم أحدهما فإن أسلم المقرض سقطت الخمر ، ولا شيء له من قيمة الخمر على المستقرض أما سقوط قيمة الخمر ، فلأن العجز عن قبض المثل جاء من قبله فلا شيء له ، وإن أسلم المستقرض .

                                                                                                                                روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله أنه تسقط الخمر ، وليس عليه قيمة الخمر أيضا كما لو أسلم المقرض ، وروى محمد ، وزفر ، وعافية بن زياد القاضي عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أن عليه قيمة الخمر ، وهو قول محمد رحمه الله .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية أن امتناع التسليم من المستقرض إنما جاء لمعنى من قبله ، وهو إسلامه فكأنه استهلك عليه خمره ، والمسلم إذا استهلك خمر الذمي يضمن قيمته .

                                                                                                                                ( وجه ) رواية أبي يوسف رحمه الله أنه لا سبيل إلى تسليم المثل ; لأنه يمنع منه ، ولا إلى القيمة ; لأن ذلك يوجب ملك المستقرض ، والإسلام يمنع منه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية