الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ثم ، ولي اليتيم هل يأكل من مال اليتيم ؟ فنقول : لا خلاف في أنه إذا كان غنيا لا يأكل لقوله تعالى { ، ومن كان غنيا فليستعفف } فأما إذا كان فقيرا فهل له أن يأكل على سبيل الإباحة أو ليس له أن يأكل إلا قرضا ؟ اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن له أن يأكل على سبيل الإباحة لكن بالمعروف من غير إسراف ، وهو قول سيدتنا عائشة رضي الله عنها وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه يأكل قرضا فإذا أيسر قضى ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما احتج هؤلاء بقوله - تعالى - { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } أمر سبحانه وتعالى - بالإشهاد على الأيتام عند دفع المال إليهم .

                                                                                                                                ولو كان المال في أيدي الأولياء بطريق الأمانة لكان لا حاجة إلى الإشهاد ; لأن القول قول الولي إذا قال : دفعت المال إلى اليتيم عند إنكاره ، وإنما الحاجة إلى الإشهاد عند الأخذ قرضا ليأكل منه ; لأن في قضاء الدين القول قول صاحب الدين لا قول من يقضي الدين ، وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه فسر قوله - عز وجل - { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } قال : قرضا احتج الأولون بظاهر قوله - عز شأنه - { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } أطلق الله - عز شأنه - لولي اليتيم أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف ، وهو الوسط من غير إسراف .

                                                                                                                                وروي { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ليس لي مال ، ولي يتيم فقال عليه الصلاة والسلام : كل من مال يتيمك [ ص: 155 ] غير مسرف ولا متأثل مالك بماله } وذكر محمد ومالك في الموطإ أن الأفضل هو الاستعفاف من ماله ; لما روي أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له : أوصي إلي يتيم فقال عبد الله : لا تشتر من ماله شيئا ، ولا تستقرض من ماله شيئا والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية