الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولا يجوز اقتداء من يركع ويسجد بالمومئ عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر يجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن فرض الركوع والسجود سقط إلى خلف وهو الإيماء ، وأداء الفرض بالخلف كأدائه بالأصل ، وصار كاقتداء الغاسل بالماسح والمتوضئ بالمتيمم .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن تحريمة الإمام انعقدت للصلاة بالركوع والسجود ، والإيماء - وإن كان يحصل فيه بعض الركوع والسجود لما أنهما للانحناء والتطأطؤ ، وقد وجد أصل الانحناء والتطأطؤ في الإيماء فليس فيه كمال الركوع والسجود - تنعقد تحريمته لتحصيل وصف الكمال ، فلم يمكن بناء كمال الركوع والسجود على تلك التحريمة ، ولأنه لا صحة للصلاة بدون الركوع والسجود في الأصل ; لأنه فرض ، وإنما سقط عن المومئ للضرورة ، ولا ضرورة في حق المقتدي ، فلم يكن ما أتى به المومئ صلاة شرعا في حقه ، فلا يتصور البناء وقد خرج الجواب عن قوله أنه خلف لأنا نقول : ليس كذلك ، بل هو تحصيل بعض الركوع والسجود ، إلا أنه اكتفى بتحصيل بعض الفرض في حالة العذر لا أن يكون خلفا ، بخلاف المسح مع الغسل ، والتيمم مع الوضوء ; لأن ذلك خلف فأمكن أن يقام مقام الأصل ، ولا يجوز اقتداء من يومئ قاعدا أو قائما بمن يومئ مضطجعا ; لأن تحريمة الإمام ما انعقدت للقيام أو القعود فلا يجوز البناء ، ثم صلاة الإمام صحيحة في هذه الفصول كلها إلا في فصل واحد وهو أن الأمي إذا أم القارئ أو القارئ والأميين فصلاة الكل فاسدة عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد صلاة الإمام الأمي ومن لا يقرأ تامة .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الإمام صاحب عذر اقتدى به من هو بمثل حاله ومن لا عذر له - فتجوز صلاته وصلاة من هو بمثل حاله ، كالعاري إذا أم العراة واللابسين ، وصاحب الجرح السائل يؤم الأصحاء وأصحاب الجراح ، والمومئ إذا أم المومئين والراكعين والساجدين أنه تصح صلاة الإمام ومن بمثل حاله ، كذا ههنا ولأبي حنيفة طريقتان [ ص: 140 ] في المسألة : إحداهما - ما ذكره القمي وهو أنهم لما جاءوا مجتمعين لأداء هذه الصلاة بالجماعة - فالأمي قادر على أن يجعل صلاته بقراءة ، بأن يقدم القارئ فيقتدي به فتكون قراءته قراءة له ، قال صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } فإذا لم يفعل فقد ترك أداء الصلاة بقراءة مع القدرة عليها ففسدت ، بخلاف سائر الأعذار ; لأن لبس الإمام يكون لبسا للمقتدي ، وكذا ركوع الإمام وسجوده ، ولا ينوب عن المقتدي ، ووضوء الإمام لا يكون وضوء للمقتدي فلم يكن قادرا على إزالة العذر بتقديم من لا عذر له ، ولا يلزم على هذه الطريقة ما إذا كان الأمي يصلي وحده وهناك قارئ يصلي تلك الصلاة ، حيث تجوز صلاة الأمي وإن كان قادرا على أن يجعل صلاته بقراءة بأن يقتدي بالقارئ ; لأن هذه المسألة ممنوعة ، وذكر أبو حازم القاضي أن على قياس قول أبي حنيفة لا تجوز صلاة الأمي ، هو قول مالك ، ولئن سلمنا فلأن هناك لم يقدر على أن يجعل صلاته بقراءة إذا لم يظهر من القارئ رغبة في أداء الصلاة بجماعة حيث اختار الانفراد ، بخلاف ما نحن فيه .

                                                                                                                                ( والطريقة ) الثانية - ما ذكره غسان وهو أن التحريمة انعقدت موجبة للقراءة ، فإذا صلوا بغير قراءة فسدت صلاتهم كالقارئين ، وإنما قلنا : إن التحريمة انعقدت موجبة للقراءة ; لأنه وقعت المشاركة في التحريمة ; لأنها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت موجبة للقراءة لاشتراكها بين القارئين وغيرهم ، ثم عند أوان القراءة تفسد لانعدام القراءة ، بخلاف سائر الأعذار ; لأن هناك التحريمة لم تنعقد مشتركة ; لأن تحريمة اللابس لم تنعقد إذا اقتدى بالعاري لافتقارها إلى ستر العورة ، وإلى ارتفاع سائر الأعذار ، فلم تنعقد مشتركة ، بخلاف ما نحن فيه فإنها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت تحريمة القارئ مشتركة فانعقدت موجبة للقراءة ، ولا يلزم على هذه الطريقة ما ذكرنا من المسألة ; لأن هناك تحريمة الأمي لم تنعقد موجبة للقراءة لانعدام الاشتراك بينه وبين القارئ فيها ، أما ههنا فبخلافه ، ولا يلزم ما إذا اقتدى القارئ بالأمي بنية التطوع ، حيث لا يلزم القضاء ، ولو صح شروع في الابتداء للزمه القضاء ; لأنه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها ، والشروع كالنذر ، ولو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن أبي يوسف ، فكذلك إذا شرع فيها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية