الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) البيع الفاسد فهو كل بيع فاته شرط من شرائط الصحة ، وقد ذكرنا شرائط الصحة في مواضعها .

                                                                                                                                ( وأما ) حكمه فالكلام في حكمه يقع في ثلاث مواضع : أحدها في .

                                                                                                                                بيان أصل الحكم ، والثاني في بيان صفته ، والثالث في بيان شرائطه ، أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك في الجملة عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله لا حكم للبيع الفاسد فالبيع عنده قسمان : جائز ، وباطل لا ثالث لهما ، والفاسد والباطل سواء ، وعندنا الفاسد قسم آخر وراء الجائز والباطل ، وهذا على مثال ما يقول في أقسام المشروعات أن الفرض والواجب سواء ، وعندنا هما قسمان حقيقة على ما عرف في أصول الفقه .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن هذا بيع منهي عنه ، فلا يفيد الملك قياسا على بيع الخمر والخنزير والميتة والدم ، ودلالة الوصف ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ، ولا الصاع بالصاعين } .

                                                                                                                                وروي أنه عليه الصلاة والسلام { نهى عن بيع وشرط } وروي أنه عليه الصلاة والسلام { قال لعتاب بن أسيد حين بعثه إلى مكة انههم عن أربع عن بيع ما لم يقبضوا ، وعن ربح ما لم يضمنوا وعن شرطين في بيع ، وعن بيع ، وسلف } .

                                                                                                                                وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال { : لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء } ، ونحو ذلك ، والمنهي عنه يكون حراما ، والحرام لا يصلح سببا لثبوت الملك ; لأن الملك نعمة ، والحرام لا يصلح سببا لاستحقاق النعمة ، ولهذا بطل بيع الخمر والخنزير والميتة والدم فكذا هذا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن هذا بيع مشروع فيفيد الملك في الجملة استدلالا بسائر البياعات المشروعة ، والدليل على أنه بيع أن البيع في اللغة مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب مالا كان أو غير مال قال الله - سبحانه وتعالى - { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } سمى مبادلة الضلالة بالهدى اشتراء وتجارة فقال - سبحانه وتعالى - { فما ربحت تجارتهم } ، والتجارة مبادلة المال بالمال قال الله - عز شأنه - { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } سمى - سبحانه وتعالى - مبادلة الأنفس والأموال بالجنة اشتراء وبيعا حيث قال - تعالى - في آخر الآية { فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به } ، وفي عرف الشرع هو مبادلة مال متقوم بمال متقوم ، وقد وجد فكان بيعا .

                                                                                                                                والدليل على أنه مشروع النصوص العامة المطلقة في باب البيع من نحو قوله تعالى عز وجل - { ، وأحل الله البيع } ، وقوله - عز شأنه - { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، ونحو ذلك مما ورد من النصوص في هذا الباب عاما مطلقا ، فمن ادعى التخصيص والتقييد فعليه الدليل .

                                                                                                                                ( ولنا ) الاستدلال بدلالة الإجماع أيضا ، وهو أنا أجمعنا على أن البيع الخالي عن الشروط الفاسدة مشروع ومفيد للملك ، وقران هذه الشروط بالبيع ذكرا لم يصح ، فالتحق ذكرها بالعدم ، إذ الموجود الملحق بالعدم شرعا ، والعدم الأصلي سواء ، وإذا ألحق بالعدم في نفس البيع خاليا عن المفسد والبيع الخالي عن المفسد مشروع ومفيد للملك بالإجماع ، وهذا استدلال قوي .

                                                                                                                                ( وأما ) النهي فالجواب عن التعلق به أن هذا نهي عن غير البيع لا عن عينه لوجوه ثلاثة : أحدها أن شرعية أصل البيع وجنسه ثبت معقول المعنى ، وهو أنه سبب لثبوت الاختصاص واندفاع المنازعة ، وأنه سبب بقاء العالم إلى حين إذ لا قوام للبشر إلا بالأكل والشرب والسكنى واللباس ، ولا سبيل إلى استبقاء النفس بذلك إلا بالاختصاص به واندفاع المنازعة ، وذلك سبب الاختصاص واندفاع المنازعة ، وهو البيع ، ولا يجوز ورود الشرع عما عرف حسنه أو حسن أصله بالعقل ; لأنه يؤدي إلى التناقض ، ولهذا لم يجز النهي عن الإيمان بالله - عز وجل - وشكر النعم ، وأصل العبادات لثبوت حسنها بالعقل فيحمل النهي المضاف إلى البيع على غيره ضرورة .

                                                                                                                                والثاني إن سلم جواز ورود النهي عن البيع في الجملة ، لكن حمله على الغير ههنا أولى من وجهين : أحدهما أنه عمل بالدلائل بقدر الإمكان ، والثاني أن في الحمل على البيع نسخ المشروعية ، وفي الحمل على غيره ترك العمل بحقيقة الكلام والحمل على المجاز ، ولا شك أن الحمل على المجاز أولى من الحمل على التناسخ ; لأن الحمل على المجاز من باب نسخ [ ص: 300 ] الكلام ، ونسخ المشروعية نسخ الحكم والحكم هو المقصود ، والكلام وسيلة ونسخ الوسيلة أولى من نسخ المقصود والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية