الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                [ ص: 252 ] فصل } وأما بيان ما يظهر به النسب فالنسب يظهر بالدعوة مرة وبالبينة أخرى أما ظهور النسب بالدعوة فيستدعي شرائط صحة الدعوة والإقرار بالنسب وسنذكره في كتاب الإقرار إلا أنه قد يظهر بنفس الدعوة وقد لا يظهر إلا بشريطة التصديق فنقول جملة الكلام فيه أن المدعى نسبه إما أن يكون في يد نفسه وإما أن لا يكون فإن كان في يد نفسه لا يثبت نسبه من المدعي إلا إذا صدقه ; لأنه كان في يد نفسه فإقراره يتضمن إبطال يده فلا تبطل إلا برضاه وإن لم يكن في يد نفسه فإما أن يكون مملوكا وإما أن لم يكن فإن كان مملوكا يثبت نسبه بنفس الدعوة إذا كان في ملك المدعي وقت الدعوة وإن كان في ملك غيره عند الدعوة فإن كان علوقه في ملك المدعي ثبت نسبه بنفس الدعوة أيضا .

                                                                                                                                وإن لم يكن علوقه في ملكه لا يثبت نسبه إلا بتصديق المالك على ما ذكرنا وإن لم يكن مملوكا فإما إن لم يكن في يد أحد لا في يد غيره ولا في يد نفسه كالصبي المنبوذ وإما إن كان في يد أحد كاللقيط فإن لم يكن في يد أحد ثبت نسبه بنفس الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت ( وجه ) القياس أنه ادعى أمرا جائز الوجود والعدم فلا بد لترجيح أحد الجانبين من مرجح ولم يوجد فلم تصح الدعوة .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أنه عاقل أخبر بما هو محتمل الثبوت وكل عاقل أخبر بما يحتمل الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن به وهو الأصل إلا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير وهنا في التصديق نظر من الجانبين جانب اللقيط بالوصول إلى شرف النسب والحضانة والتربية وجانب المدعي بولد يستعين به على مصالحه الدينية والدنيوية وتصديق العاقل في دعوى ما ينتفع به ولا يتضرر غيره به واجب ولو ادعاه رجلان ثبت نسبه منهما عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت إلا من أحدهما ويتعين بقبول القافة على ما ذكرنا ولو ادعاه أكثر من رجلين فعند أبي حنيفة رحمه الله يثبت نسبه من خمسة وعند أبي يوسف رحمه الله من اثنين وعند محمد رحمه الله من ثلاثة .

                                                                                                                                وقد مرت المسألة ولو ادعته امرأتان صحت دعوتهما عند أبي حنيفة وعندهما لا تصح وسنذكر الحجج من بعد إن شاء الله تعالى هذا إذا لم يكن في يد أحد فإن كان وهو اللقيط ثبت نسبه من الملتقط بنفس الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت إلا بالبينة وقد ذكرنا وجههما فيما تقدم وكذا من الخارج صدقه الملتقط في ذلك أو لا استحسانا والقياس أن لا يثبت إذا كذبه .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أن هذا إقرار تضمن إبطال يد الملتقط ; لأن يده عليه ثابتة حقيقة وشرعا حتى لو أراد غيره أن ينزعه من يده جبرا ليحفظه ليس له ذلك والإقرار إذا تضمن إبطال الغير لا يصح وجه الاستحسان أن يد المدعي أنفع للصبي من يد الملتقط ; لأنه يقوم بحضانته وتربيته ويتشرف بالنسب فكان المدعي به أولى وسواء كان المدعي مسلما أو ذميا استحسانا والقياس أن لا تصح دعوة الذمي ( ووجهه ) أنا لو صححنا دعوته وأثبتنا نسب الولد منه للزمنا استتباعه في دينه وهذا يضر فلا تصح دعوته وجه الاستحسان أنه ادعى أمرين ينفصل أحدهما عن الآخر في الجملة وهو النسب والتبعية في الدين إذ ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون على دينه ألا يرى أنه لو أسلمت أمه يحكم بإسلامه وإن كان أبوه كافرا فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ويكون مسلما .

                                                                                                                                وذكر في النوادر أن من التقط لقيطا فادعاه نصراني فهو ابنه ثم إن كان عليه زي المسلمين فهو مسلم وإن كان عليه زي الشرك بأن يكون في رقبته صليب ونحو ذلك فهو على دين النصارى هذا إذا أقر الذمي أنه ابنه فإن أقام البينة على ذلك فإن كان الشهود من أهل الذمة لا تقبل شهادتهم في استتباع الولد في دينه ; لأن هذه شهادة تضمنت إبطال يد المسلم وهو الملتقط فكانت شهادة على المسلم فلا تقبل وإن كانوا من المسلمين تقبل ويكون الولد على دينه فرقا بين الإقرار وبين البينة وذلك أنه متهم في إقراره ولا تهمة في الشهادة وسواء كان المدعي حرا أو عبدا ; لأنه ادعى شيئين أحدهما يحتمل الفصل على الآخر وهو النسب والرق فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ولو ادعاه الخارج والملتقط معا فالملتقط أولى لاستوائهما في الدعوة ونفع الصبي فترجح باليد فإن سبقت دعوة الملتقط لا تسمع دعوة الخارج ; لأنه ثبت نسبه منه فلا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك إلا أن يقيم البينة ; لأن الدعوة لا تعارض البينة .

                                                                                                                                ولو ادعاه خارجان فإن كان [ ص: 253 ] أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى ; لأنه يتبعه في الإسلام فكان أنفع للصبي وكذا إذا ادعته مسلمة وذمية فالمسلمة أولى ولو شهد للذمي مسلمان وللمسلم ذميان فهو للمسلم ; لأن الحجتين وإن تعارضتا فإسلام المدعي كاف للترجيح ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى ; لأنه أنفع للقيط وإن كانا حرين مسلمين فإن ذكر أحدهما علامة في بدن اللقيط ولم يذكر الآخر فوافقت دعوته العلامة فصاحبها أولى لرجحان دعواه بالعلامة ; لأن الشرع ورد بالترجيح بالعلامة في الجملة قال الله تبارك وتعالى في قصة سيدنا يوسف عليه أفضل التحية { وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } جعل قد القميص من خلف دليل مراودتها إياه لما أن ذلك علامة جذبها إياه إلى نفسها والقد من قدام علامة دفعها إياه عن نفسها وكذلك قال أصحابنا في لؤلئي ودباغ في حانوت واحد هو في أيديهما فيه لؤلؤ وإهاب فتنازعا أنه فيهما يقضى باللؤلؤ للؤلئي وبالإهاب للدباغ ; لأن الظاهر يشهد باللؤلؤ للؤلئي وبالإهاب للدباغ .

                                                                                                                                وكذلك قالوا في الزوجين اختلفا في متاع البيت أن ما يكون للرجال يجعل في يد الزوج وما يكون للنساء يجعل في يدها ونحو ذلك من المسائل بناء على ظاهر الحال وغالب الأمر كذا هذا فإن ادعى أحدهما علامات في هذا اللقيط فوافق البعض وخالف البعض ذكر الكرخي رحمه الله أنه يثبت نسبه منهما ; لأنه وقع التعارض في العلامات فسقط الترجيح بها كأن سكت عن ذكر العلامة رأسا وإن لم يذكر أحدهما علامة أصلا ولكن لأحدهما بينة فإنه يقضى له ; لأن الدعوة لا تعارض البينة وإن لم يكن لأحدهما بينة ثبت نسبه منهما جميعا وهذا عندنا لاستوائهما في الدعوة وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت نسبه إلا من أحدهما ويتعين بقول القافة على ما ذكرنا والكلام مع الشافعي رحمه الله تقدم ولو كان المدعي أكثر من رجلين فهو على الخلاف الذي ذكرناه في الجارية المشتركة .

                                                                                                                                ولو قال أحد المدعيين هو ابني وهو غلام فإذا هو جارية لم يصدق ; لأنه ظهر كذبه بيقين ولو قال أحدهما هو ابني وقال الآخر هو ابنتي فإذا هو خنثى يحكم مباله فإن كان يبول من مبال الرجال فهو ابن مدعي البنوة وإن كان يبول من مبال النساء فهي ابنة مدعي البنتية وإن كان يبول منهما جميعا يعتبر السبق فإن استويا في السبق فهو مشكل عند أبي حنيفة وعندهما تعتبر كثرة البول فإن استويا في ذلك فهو مشكل ; لأن هذا حكم الخنثى وينبغي أن يثبت نسبه منهما جميعا ولو قال الملتقط هو ابني من زوجتي هذه فصدقته فهو ابنهما حرة كانت أو أمة غير أنها إن كانت حرة كان الابن حرا بالإجماع وإن كانت أمة كان ملكا لمولى الأمة عند أبي يوسف وعند محمد يكون حرا وجه قول محمد أن نسبه وإن ثبت من الأمة لكن في جعله تبعا لها في الرق مضرة بالصبي وفي جعله حرا منفعة له فيتبعها فيما ينفعه ولا يتبعها فيما يضره كالذمي إذا ادعى نسب لقيط ثبت نسبه منه لكن لا يتبعه فيما يضره وهو دينه لما قلنا كذا هذا وجه قول أبي يوسف أن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية فكان من ضرورة ثبوت النسب منها أن يكون رقيقا والرق وإن كان يضره فهو ضرر يلحقه ضرورة غيره فلا يعتبر .

                                                                                                                                ولو ادعته امرأة أنه ابنها وهي حرة أو أمة ذكر في الأصل أنها لا تصدق على ذلك حتى تقيم البينة أنها ولدته وإن أقامت امرأة واحدة على الولادة قبلت إذا كانت حرة عدلة أطلق الجواب في الأصل ولم يفصل بين ما إذا كان لها زوج أم لا منهم من حمل هذا الجواب على ما إذا كان لها زوج ; لأنه إذا كان لها زوج كان في تصحيح دعوتها حمل النسب على الغير فلا تصح إلا بالبينة أو بتصديق الزوج فأما إذا لم يكن لها زوج فلا يتحقق معنى التحميل فيصح من غير بينة ومنهم من حقق جواب الكتاب وأجرى رواية الأصل على إطلاقها وفرق بين الرجل والمرأة فقال يثبت نسبه من الرجل بنفس الدعوة ولا يثبت نسبه منها إلا ببينة ووجه الفرق أن النسب في جانب الرجال يثبت بالفراش وفي جانب النساء يثبت بالولادة ولا تثبت الولادة إلا بدليل وأدنى الدلائل عليها شهادة القابلة ولو ادعته امرأتان فهو ابنهما عند أبي حنيفة وكذا إذا كن خمسا عنده وعندهما لا يثبت نسب الولد من المرأتين أصلا وجه قولهما أن النسب في جانب النساء يثبت بالولادة وولادة ولد [ ص: 254 ] واحد من امرأتين لا يتصور فلا يتصور ثبوت النسب منهما بخلاف الرجال ; لأن النسب في جانبهم يثبت بالفراش ولأبي حنيفة أن سبب ظهور النسب هو الدعوة وقد وجدت من كل واحدة منهما وما قالا إن الحكم في جانبهن متعلق بالولادة فنعم لكن في موضع أمكن وهنا لا يمكن فتعلق بالدعوة وقد ادعياه جميعا فيثبت نسبه منهما وعلى هذا لو ادعاه رجل وامرأتان يثبت نسبه من الكل عنده وعندهما يثبت من الرجل لا غير .

                                                                                                                                ولو ادعاه رجلان وامرأتان كل رجل يدعي أنه ابنه من هذه المرأة والمرأة صدقته فهو ابن الرجلين والمرأتين عند أبي حنيفة وعندهما ابن الرجلين لا غير وأما ظهور النسب بالبينة فنقول وبالله التوفيق البينة يظهر بها النسب مرة ويتأكد ظهوره أخرى فكل نسب يجوز ثبوته من المدعي إذا لم يحتمل الظهور بالدعوة أصلا لا بنفسها ولا بقرينة التصديق بأن كان فيه حمل النسب على الغير ونحو ذلك يظهر بالبينة وكذا ما احتمل الظهور بالدعوة لكن بقرينة التصديق إذا انعدم التصديق وظهر أيضا بالبينة وكل نسب يحتمل الظهور بنفس الدعوة يتأكد ظهوره بالبينة كما إذا ادعى اللقيط رجل الملتقط أو غيره وثبت نسبه من المدعي ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة يقضى له ; لأن النسب وإن ظهر بنفس الدعوة لكنه غير مؤكد فاحتمل البطلان بالبينة وكذا لو ادعاه رجلان معا ثم أقام أحدهما البينة فصاحب البينة أولى لما قلنا وإذا تعارضت البينتان في النسب فالأصل فيه ما ذكرنا في تعارض البينتين على الملك أنه إن أمكن ترجيح إحداهما على الأخرى يعمل بالراجح وإن تعذر الترجيح يعمل بهما إلا أن هناك إذا تعذر الترجيح يعمل بكل واحدة منهما من وجه بقدر الإمكان وهنا يعمل بكل واحدة منهما من كل وجه ويثبت النسب من كل واحد من المدعيين لإمكان إثبات النسب لولد واحد من اثنين على الكمال واستحالة كون الشيء الواحد مملوكا لاثنين على الكمال في زمان واحد إذا عرفنا هذا فنقول جملة الكلام فيه أن تعارض البينتين إما أن يكون بين الخارج وبين ذي اليد وإما أن يكون بين الخارجين وبين ذي اليد فإن كان بين الخارج وذي اليد فبينة ذي اليد أولى ; لأنهما استويا في البينة فيرجح صاحب اليد باليد وإن كان بين الخارجين وبين ذي اليد فإن أمكن ترجيح أحدهما بوجه من الوجوه من الإسلام والحرية والعلامة واليد وقوة الفراش وغير ذلك من أسباب الترجيح يعمل بالراجح وإن استويا يعمل بهما ويثبت النسب منهما .

                                                                                                                                وعلى هذا إذا ادعى أحدهما أن اللقيط ابنه وادعى الآخر أنه عبده يقضى للذي ادعى أنه ابنه ; لأنه يدعي الحرية والآخر يدعي الرق فبينة الحرية أقوى وكذلك لو أقام أحدهما البينة أنه ابنه من هذه الحرة وأقام الآخر البينة أنه ابنه من هذه الأمة فهو ابن الحر والحرة لما قلنا ولو أقام كل واحد منهما البينة أنه ابنه من امرأة حرة فهو ابن الرجلين وابن المرأتين على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما ابن الرجلين لا غير لما مر ولو ادعاه رجلان ووقتت بينة كل واحد منهما فإن استوى الوقتان ثبت النسب منهما لاستواء البينتين ولو كان وقت إحداهما أسبق يحكم سن الصبي فيعمل عليه ; لأنه حكم عدل فإن أشكل سنه فعلى قياس قول أبي حنيفة يقضى لأسبقهما وقتا وعندهما يقضى لهما وجه قولهما أنه إذا أشكل السن سقط اعتبار التاريخ أصلا كأنهما سكتا عنه ولأبي حنيفة رحمه الله أنه إذا أشكل السن لم يصلح حكما فبقي الحكم للتاريخ فيرجح الأسبق ولو ادعى رجل أن اللقيط ابنه وأقام البينة وادعت المرأة أنه ابنها وأقامت البينة فهو بينهما لعدم التنافي بين ثبوت نسبه منهما كما إذا ادعاه رجلان بل أولى وعلى هذا غلام قد احتلم ادعى على رجل وامرأة أنه ابنهما وأقام البينة وادعى رجل آخر وامرأته أن الغلام ابنهما وأقاما البينة ثبت نسب الغلام من الأب والأم الذي ادعاه الغلام أنه ابنهما ويبطل النسب الذي أنكره الغلام ; لأن البينتين تعارضتا وترجحت بينة الغلام بيده إذ هو في يد نفسه كالخارجين إذا أقاما البينة ولأحدهما يد كان صاحب اليد أولى كذا هنا وكذلك لو كان الغلام نصرانيا فأقام بينة من المسلمين على رجل نصراني وامرأة نصرانية وادعاه مسلم ومسلمة فبينة الغلام أولى ولا تترجح بينة المدعي المسلم ; لأنه لا يد له وإن كان مسلما وإن كان بينة الغلام من النصارى يقضى بالغلام للمسلم والمسلمة ; لأن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فالتحقت بالعدم فبقي مجرد الدعوة فلا تعارض البينة ويجبر الغلام على الإسلام .

                                                                                                                                غلام في [ ص: 255 ] يد إنسان ادعى صاحب اليد أنه ابنه وولدته أمته هذه في ملكه وأقام البينة على ذلك وادعى خارج أن الغلام ابنه ولدته الأمة في ملكه وأقام البينة فإن كان الغلام صغيرا لا يتكلم يقضى به لصاحب اليد لاستوائهما في البينة فيرجح صاحب اليد باليد كما في النكاح وإن كان كبيرا يتكلم فقال أنا ابن الآخر يقضى بالأمة والغلام للخارج ; لأن الغلام إذا كان كبيرا يتكلم في يد نفسه فالبينة التي يدعيها الغلام أولى وكذلك لو كان الغلام ولد حرة وهما في يد رجل فأقام صاحب اليد البينة على أنه ولد على فراشه والغلام يتكلم ويدعي ذلك وأقام الخارج البينة على ملكه يقضى بالمرأة وبالولد للذي هما في يده لما قلنا وإن كان الذي في يده من أهل الذمة والمرأة ذمية وأقام شهودا مسلمين يقضى بالمرأة والولد للذي هما في يده ; لأن شهادة المسلمين حجة مطلقة ولو أقام الخارج البينة على أنه تزوجها في وقت كذا وأقام الذي في يده البينة على وقت دونه يقضى للخارج ; لأنه إذا ثبت سبق أحد النكاحين كان المتأخر منهما فاسدا فالبينة القائمة على النكاح الصحيح أقوى فكانت أولى وعلى هذا غلام قد احتلم ادعى أنه ابن فلان ولدته أمته فلانة على فراشه وذلك الرجل يقول هو عبدي ولد أمتي التي زوجتها عبدي فلانا فولدت هذا الغلام منه والعبد حي يدعي ذلك فهو ابن العبد ; لأنه تعارض الفراشان فراش النكاح وفراش الملك وفراش النكاح أقوى ; لأنه لا ينتفي إلا باللعان وفراش الملك ينتفي بمجرد النفي فكان فراش النكاح أقوى فكان أولى .

                                                                                                                                ولو ادعى الغلام أنه ابن العبد من هذه الأمة فأقر العبد بذلك وقامت عليه البينة وادعى المولى أنه ابنه فهو ابن العبد لما قلنا ويعتق ; لأنه ادعى نسبه والإقرار بالنسب يتضمن الإقرار بالحرية فإن لم يعمل في النسب يعمل في الحرية وكذلك لو مات الرجل وترك مالا فأقام الغلام البينة أنه ابن الميت من أمته وأقام الآخر البينة أنه عبده ولدته أمته من زوجها فلان والزوج عبده أيضا والعبد حي يدعي ذلك يقضى له بالنسب ; لأنه يدعي فراش النكاح وأنه أقوى فإن كان العبد ميتا ثبت نسب الغلام من الحر وورث منه ; لأن بينة الغلام خلت عن المعارض لانعدام الدعوة من العبد فيجب العمل بها والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية